لإعادة الاعتبار إلى حرية التعبير

TT

لا يكاد يتراجع الجدل حول تعريف ماهية حرية التعبير وحدوده حتى يتصاعد مجدداً خصوصاً في قضايا الصحافة والإعلام في لحظات الأزمات.

إنها إشكالية تتعلق بالتطبيق والممارسة والمفاهيم وتلك الخطوط المتداخلة بين ما هو مسموح وما هو ممنوع، ليس فقط من قبل القوانين والدول، بل من قبل مجتمعات كبرى وصغرى باتت على تماس وصدام فعلي، خصوصاً في ظل انغماس غير مسبوق للإعلام في انقسام المجتمعات ونزاعاتها الأهلية التي نرى في العراق ولبنان وفلسطين نماذج يومية عنها.

بحسب القانون الدولي فإن حرية التعبير ليست مطلقة بل يمكن إخضاعها لبعض القيود بغية «صيانة حقوق الآخر أو سمعته» وبغية الحفاظ على «الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة أو الأخلاق العامة». هذه الصيغة وردت في الميثاق العالمي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1966 وفي المعاهد الأوروبية لاحترام حقوق الانسان والحريات الأساسية التي تم توقيعها في عام 1951.

يمكن بسهولة ملاحظة اقتباسات تبنتها دول وأنظمة عربية وأخيراً من خلال ما سمي بوثيقة تنظيم البث الفضائي التي أقرها وزراء الإعلام العرب والتي على رغم المعارضة الواسعة التي جوبهت بها هناك محاولات من حين لآخر لإحيائها أو توظيفها.

لكن فات من تبنى صيغاً مبتورة من الغرب أن يلحظ أن الحفاظ على الأمن القومي والنظام العام يشترط بداية أن تكون المجتمعات ديمقراطية على نحو مكرس بالقوانين وليس عبر تصريحات اعتباطية.

تعالت أصوات اخيراً في لبنان وغيره تدعو إلى محاسبة وسائل الإعلام على الوظائف التي تلعبها وتغذيتها الانقسام السياسي والأهلي. تستبطن هذه الدعوات ميلاً إلى تحميل الإعلام مسؤولية ما أفضت إليه هذه الانقسامات من أعمال عنف واقتتال. وهذه الدعوات على ما فيها من حسن نية حيناً وخبث أحياناً إنما تنغمس من حيث تدري أو لا تدري في طبيعة هذه الانقسامات. فإدانة التعرض لوسائل الإعلام عبر الإحراق والغلق لا ترقى إليها دعوات حسني النية، ويحاول خبثاء خيار الغلق والحرق تفاديها (أي الإدانة) عبر مقولة إدانة الإعلام وتورطه فيما يجري في هذه المجتمعات.

الإعلام في بلادنا جزء من الانقسام من دون شك، لكن التمييز بين إبداء التحفظ والملاحظة على الأدوار التي يلعبها وبين إدانة التعرض إليه من قبل أطراف الانقسام الطائفي والأهلي ومن قبل الخيارات الإقليمية أمر لن تستقيم دعوة من دونه.

في لبنان كما في فلسطين والعراق إعلام يظهر هذا الانقسام، لكن الصحيح أيضاً أن في هذه الدول قوى لم نعهد إعلاماً حراً في خياراتها وتراكيبها.

الإعلام الحرّ ترعاه قوانين وتحتضنه مجتمعات حرة، أما أن تستل أحزاب تعيش بين ظهرانينا السيوف وتشهرها في وجه هذا الإعلام فهو أمر فعله حزب الله في لبنان وفعلته حركة حماس في غزة وفعلته أطراف كثيرة في العراق. فالإدانة هنا يجب أن تسبق أي تفكير وتأمل في واقع هذا الإعلام..

diana@ asharqalawsat.com