الجرح الخفي في الجسد الأميركي

TT

مازالت الولايات المتحدة تخوض حربا مستمرة منذ أعوام، ولكن لم يطلب من الشعب الأميركي العادي أن يتحمل المزيد من المسؤولية أو أن يقوم بالتضحيات التي تتطلبها الحروب عادة.

لا يوجد تجنيد إلزامي. ولا يوجد نقص في الغذاء أو السلع التجارية أو البنزين. كما أننا لا ندفع من أجل الحروب في العراق وأفغانستان. فقد انتقل المبلغ واجب السداد الذي تبلغ قيمته عدة تريليونات من الدولارات إلى الأجيال القادمة. والشيء غير القابل للتصديق هو خفض الضرائب، وليس زيادتها، منذ بدء الحرب. فعلى الجبهة الداخلية، تصبح أجواء الحرب ألطف ما يكون.

ويمثل ذلك خطرا إضافيا للشباب من الجنسين الذين تطوعوا في الحرب في تلك الميادين البعيدة. فأصبح من السهل على المجتمع الكبير ألا يكترث لهم بسبب بعدهم. وقد قمت بتوجيه سؤال إلى إحدى الطالبات الجامعيات في بريدج بورت، بولاية كونيكتيكت، ذات ليلة حول ما إذا كانت هي أو أصدقاؤها قد تحدثوا مطلقا عن الحرب في العراق، وكان ردها بالنفي. ومن بين أقل المظاهر الملحوظة في هاتين الحربين، اللتين تبدوان بلا نهاية، الخسائر النفسية التي تصيب هؤلاء المتطوعين فيهما. كما ان هؤلاء يتلقون العلاج في ميدان المعركة، ويعود عدة آلاف منهم مصابين بإصابات في المخ وجروح نفسية تسبب معاناة هائلة، من الممكن أن تغير مسار حياتهم إلى الأبد.

وقد تصدّر مقال، أظن أنه لفت انتباه الكثيرين، غلاف مجلة التايم تحت عنوان: «السلاح السري للجيش»، وذكر في المقال: «لأول مرة في التاريخ، يتناول عدد كبير ومتزايد من أفراد القوات الأميركية جرعات يومية من الأدوية المضادة للاكتئاب لتهدئة أعصابهم المتوترة بفعل المهمات المتكررة والطويلة في العراق وأفغانستان».

كما يتم إرسال الجنود وقوات المارينز إلى مناطق الحرب مرة بعد أخرى، بسبب انخفاض أعداد الشباب الراغبين في الالتحاق بالجيش والمشاركة في الحرب. وبالإضافة إلى الأخطار المادية الظاهرة، فإن الرحلات المتكررة إلى أرض المعركة تمهد إلى كارثة نفسية.

وقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة راند عن أن الخسائر النفسية لنشر القوات في العراق وأفغانستان «فادحة جدا مقارنة بالإصابات المادية في القتال». وبينما ينجح معظم الملتحقين بالخدمة في التكيف مع حياتهم المدنية مجددا بعد الحرب، إلا أن عدد العائدين المصابين بأزمات نفسية كبير جدا. فقد وجدت الدراسة أن حوالي 300.000 شخص من الجنود المشاركين في حرب العراق أو أفغانستان يعانون حاليا من الاضطراب أو الاكتئاب، وأن 320.000 شخص قد أصيبوا بإصابات دماغية.

وأظهرت دراسات أخرى أن أقل من نصف الجنود المصابين بإصابات نفسية بشكل أو آخر يتلقون العلاج. ووفقا لدراسة راند: «حتى عندما يتلقى الجنود العلاج، يحصل القليل جدا منهم على رعاية جيدة». دعم الجنود؟ لقد أصبح ذلك شعارا فارغا. فلا يفيد حمل العلم ووضع ملصقات وطنية على السيارات عندما يحتاج عدة آلاف من الجنود إلى رعاية ممتازة ولا يجدونها.

«يجب أن تكون هذه قضية رئيسة في السباق الرئاسي، ويجب أن تكون كذلك في نشرات الأخبار»، هذا ما قاله بول ريكهوف، مدير جماعة محاربي أميركا في العراق وأفغانستان. ويضيف: «عندما تعود من العراق، تشعر وكأنك تائه لبعض الوقت. وتشعر بعدم القدرة على التأقلم». أضف إلى هذا العبء المعاناة من الاكتئاب، أو الاضطراب، أو آثار الضعف الناجمة عن الإصابة الدماغية. فكل هذه الأشياء تؤدي إلى إدمان الكحوليات، وتعاطي المخدرات، والتفكك الأسري، والتشرد، والخروج عن القانون، وأحيانا الانتحار.

ويقول ريكهوف: «إن أصعب شيء هو مساعدة الجنود على الوصول بسهولة إلى تلقي الرعاية الصحية العقلية».وعلى الرغم مما يشعر به المرء حيال سياسات الدولة تجاه الحرب، فإن علينا التزاما صارما تجاه معرفة احتياجات الجنود المرسلين إلى الحرب على المدى القريب والبعيد. ففي غياب دعوة عامة إلى التضحية، فإن ذلك أقل شيء يمكننا فعله. وحتى الآن فإننا لا نفعل ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»