تشغيل وإنعاش وفرفشة

TT

لاحظت في جميع قنوات التليفزيون الإنجليزي برامج لتشغيل المخ والذاكرة وآثار التاريخ.. برامج للفوازير والكلمات المتقاطعة والأفعال والصفات المترادفة وامتحاناً للذكاء ولاستحضار المعلومات.. كثيرة ويشترك فيها الناس من كل سن وثقافة.. ويتقاضون على ذلك الكثير من الجنيهات ليس من الضروري أن تدفعها هيئة التليفزيون، وإنما شركات كثيرة على استعداد لأن تساهم بذلك وهي الرابحة!

قلت: لماذا كل هذا؟

وكان الجواب: لا بد أن تدفع المَلل من حياة الناس. فالحياة في الدول الصناعية الجبارة زحام واندفاع شديد في كل الاتجاهات، فكما أن الناس يقفون على السلالم وترتفع وتهبط، فهم يمشون على أرض تتحرك بهم أيضاً. الحصيرة المتحركة وكل السيارات والطائرات والبواخر.. كل شيء مندفع ولا وقت للوقوف والتفكير والتأمل والضحك، هذه البرامج تعترض حركة المرور الآلية وتسحب الناس من الدوخة اليومية.. تستوقفهم وتضحكهم على أنفسهم وعلى غيرهم وتعطيهم فلوساً، وفي نفس الوقت تضع أمام أعينهم يومياً صوراً متواضعة من البطولة والتفوق والجزاء والعقاب كل يوم وبلا فرض نظرية سياسية أو اقتصادية أو دينية!

وهذا ممكن في كل مكان، وإذا كنا في حاجة إلى حجة: كل تليفزيونات العالم تفعل ذلك.. فهذا إنعاش للعقل وفرفشة اجتماعية وانفراج نفسي..

رأيت فتاة في برنامج مطلوب منها أن تستخدم كلمة من أربعة حروف..

فقالت ـ مثلا ـ يكتب وكان الهجاء هكذا: باء ألف كاف ياء باء.. واندهش المشاهدون كيف أنها وقعت في هذا الخطأ الإملائي، واندهشت وضحكت.. واعتذرت عن قبول المبالغ المالية التي استحقتها عن إجاباتها الصحيحة قبل ذلك، وبكت، وحاولوا معها ولكنها رفضت!!

وفي اليوم التالي جاء أحد علماء النفس يفسر للسادة المشاهدين لماذا كان هذا الخطأ، وحكى لنا أنه التقى بها وعرف أنها وقعت في هذه الغلطة في امتحان النقل من عشرين عاماً، وإنها أحست برهبة الامتحان تتجدد مرة أخرى.. ووقعت في نفس الخطأ.. فأضاف البرنامج إلى التسلية المؤكدة والمتعة المضمونة تفسيراً علمياً يربح الفتاة وكل المشاهدين!