معركة أفلام مصرية إيرانية

TT

لست ضد أن ينتج الإيرانيون فيلما يشوه سيرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، أو غيره من الرموز السياسية. لا أقولها من باب التسامح، أو التساهل، أو عن روح ليبرالية تؤمن بحق التعبير، بل انحناء للواقع الجديد الذي يصعب على من كان، ومهما كانت قدراته، منع الغير من أداء عمل فني او إعلامي. فنحن في زمن السموات المفتوحة والفوضى المنظمة. لم يعد ممكنا منع من يريد تأليف كتاب وتوزيعه، او تسجيل أغنية ونشرها، او اطلاق موقع الكتروني، او محطة تلفزيون، او اذاعة الكترونية. والاميركيون، الذين اخترعوا الإعلام الجديد، ويسيطرون اليوم على مفاتيحه، ها هم يحاولون منذ خمس سنوات، وفشلوا، في منع تنظيم القاعدة من نشر ادبياته، وصوره، وافلامه، وندواته ودعواته.

لكن من المناسب ان نتحدث عن معركة جديدة اطلق أولى رصاصاتها الايرانيون. فهم انتجوا فيلم «34 طلقة للفرعون» ظنا بأنه سيزعج المصريين، وهذا قد يكون صحيحا، لكنهم نسوا أنهم يسكنون في بيت من زجاج. بفتح معركة الأفلام يجرئ الايرانيون الغير عليهم، الامر الذي تحاشاه العرب، باستثناء صدام في زمن حكمه. بسبب الفيلم ستنهال عليهم كوابيس من الافلام المسيئة للرموز الايرانية، وهم ليسوا معتادين على الحرب الدعائية كثيرا، بخلاف المصريين.

ففي مصر نفسها من ينتقد الرئيس الراحل وتاريخه، وهناك أيضا من يعتبر السادات رمزا وبطلا وطنيا يدافع عنه، فاذا كان حكام مصر فراعنة فان حكام ايران اكثر منهم فرعنة. في ايران لا يسمح لأحد ان ينتقد رموز الثورة بدءا بأية الله الخميني وانتهاء بحكام اليوم.

المصريون غير قادرين الى اليوم على فهم كيف أطلق اسم مجرم قتل رئيسهم على شارع في العاصمة طهران. فإطلاق الاسماء ليس عملا ادبيا، او فنيا، يمكن أن يقال إن الدولة لا سلطة لها عليه. كل اسم يكتب على لوحة شارع هو من فعل السلطات الرسمية في كل دول العالم. ومع هذا سكت المصريون على الإهانة معتقدين أن العلاقة التي كانت تتحسن تدريجيا، خاصة أيام الرئيس محمد خاتمي، كفيلة برفع الاساءة، ومرت السنون وبقي اسم خالد الاسلامبولي الى وقت قريب. ورغم تعدد وسائل الانتقام، وانواع الاهانات، لا نعرف في التاريخ الحديث دولة، مهما بلغ خلافها مع أخرى، تمجد اسم قتلة. ربما ترفع اسماء زعامات معادية مثل كاسترو اليوم او تشي غيفارا بالأمس، لكن لم نسمع مثلا ان الاتحاد السوفييتي وضع تمثالا لقاتل الرئيس الاميركي جون كينيدي.

علينا ان نفهم العقلية الايرانية الجديدة، فهي تمارس المنع والتهميش في داخل مجتمعها، لا في منطقتها وحسب. تخوض معارك ضد منافسيها من الجماعات الاسلامية التي شاركتها الحكم. بادرت الى الغاء صحفهم، ومحطاتهم، وصادرت كتبهم، وسجنت ناشريهم، فما بالنا بمن تعتبرهم خصومها.

[email protected]