أزمة الملف النووي الإيراني: نظرة تفاؤل

TT

رغم التصريحات والتحركات التي تظهر من حين لآخر من الدول الغربية واسرائيل من جانب، أو من إيران من جانب آخر وتوحي بتصعيد خطير في مسار أزمة الملف النووي الإيراني، إلا ان التحليل السياسي لمسار الأزمة ومكوناتها يوحي بتطور ايجابي، وهذه النظرة التفاؤلية نحو انفراج في أزمة الملف النووي الايراني لم تأت من مجرد حدس سياسي، بقدر ما هي ناتج معطيات سياسية حكم مسارها منطق المصلحة والقوة.

ففي إيران ظهرت بعض التطورات المهمة، يأتي في مقدمتها بروز تيار إيراني محافظ يأخذ بنهج الواقعية السياسية، وأبرز رموز هذا التيار علي لاريجاني مستشار خامنئي، الذي انتخب مؤخرا رئيسا لمجلس الثورة الايراني. ورغم ما نسمعه ونقرأه من تصريحات نارية تصدر من حين لآخر من أحمدي نجاد تدفع باتجاه التشاؤم تجاه الوصول الى حل للأزمة، فإن من المهم إدراك أن السياسة الخارجية الايرانية سياسة مؤسسية، أي يشارك في صنعها عدد من المؤسسات الايرانية، ويأتي في مقدمة هذه المؤسسات مؤسسة مرشد الثورة علي خامنئي، وما يصدر عن المرشد من تصريحات وما يحيط به من رموز ايرانية تجعله أقرب للواقعية السياسية في نهج السياسة الخارجية الايرانية، يضاف الى ذلك ما تعانيه ايران من صعوبات اقتصادية بدأت تستنزف شرعية الثورة وتهدد بقاء الدولة، وما تواجهه ايران من تحديات سياسية تتمثل في بروز حركات إيرانية تطالب بالحرية السياسية والممارسة الديمقراطية، أو بمزيد من الاستقلال والحكم الذاتي، وللبعد الخارجي دوره وتأثيره سواء تمثل بالعقوبات الاقتصادية، أو التدخل المباشر في الشأن الداخلي الايراني، وما جاء في مقالة (سيمورهيرش) في مجلة «النيويوركر» في عددها الأخير ليس بجديد ولا بغريب على المتابع للشأن الإيراني ونهج السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي المجال الاقليمي تمر العلاقات الايرانية ـ السورية بمرحلة فتور مرشح للتصاعد. وهذا الفتور لم يأت من مزاجية أو تغير في القيادات السياسية، وانما نتج من إعادة تشكيل مفهوم المصلحة الوطنية لكلا البلدين، يقول منظر نظرية المصلحة في العلاقات الدولية (هانس. ج. مورجنبثاو) «تؤمن الواقعية بأن فكرة المصلحة لا تتأثر بظروف الزمان والمكان، مع ذلك فإن الواقعية لا تدعي ان هناك معنى دائماً ومطلقاً لفكرة المصلحة، ان الواقعية تؤمن بأن البيئة تلعب دوراً مهماً في تشكيل المصلحة، التي تحدد بدورها وجهة العمل السياسي»، لذا فإن تطور مسار الأحداث ساهم في تشكيل مفاهيم ومعان جديدة للمصلحة الوطنية لسوريا، وبرزت مؤشرات عديدة تدل على هذا التوجه الجديد ابتداء بما يقال عن ظروف مقتل عماد مغنية في دمشق، مرورا بالمفاوضات السورية ـ الاسرائيلية، والرغبة القوية لدى سوريا في التقارب مع الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية، والأهم من ذلك وجود نخب سورية مقربة من صنع القرار تدعو الى عودة سوريا الى البيت العربي والى مزيد من الانفتاح السياسي والاقتصادي في سوريا.

ولم يكن وضع ايران في العراق اقل وقعا وتأثيرا على صانع القرار الايراني، فقد بدأت ايران تفقد الكثير من النفوذ داخل الدولة العراقية، وهذا التراجع في النفوذ الايراني جاء نتيجة عوامل عديدة منها، الضغوط الامريكية المتواصلة في العراق للحد من النفوذ الايراني في بعديه الأمني والسياسي، والانشقاقات والاختلافات داخل القوى العراقية الموالية لإيران، وتنظيم القوى السنية من قبائل وأحزاب، وبروز تيار قومي عربي في الوسط الشيعي العراقي يرفض الهيمنة الإيرانية ويدعو إلى بناء عراق مستقل عن أي نفوذ خارجي. وباختصار فإن الامبراطورية الايرانية بدأت تفقد الكثير من قوة اندفاعها الاقليمي شأنها في ذلك شأن الامبراطوريات التاريخية التي تتوسع ثم تقع في مستنقع طموحاتها السياسية، نظراً لعدم التناسق بين الاهداف الامبريالية المنشودة وبين الامكانات المتاحة لتحقيق هذه الاهداف.

ومع بروز التوجه العقلاني في السياسة الخارجية الايرانية سيدرك قادة ايران ان السياسة فن الممكن، وان عليهم ألا يضيعوا الممكن (بناء دولة ايران) في طلب المستحيل (بناء امبراطورية ايرانية). كل هذه التطورات سواء في مسار العلاقات السورية ـ الايرانية أو في مسار العلاقات العراقية ـ الايرانية، قد تدفع بصناع القرار الايراني الى اعادة النظر في مجمل السياسة الخارجية الايرانية بما في ذلك الموقف الايراني في الملف النووي وبما يخدم المصلحة الايرانية. وفي المجال الدولي يتزايد الاصرار الغربي يوما بعد يوم على عدم السماح لايران بامتلاك سلاح نووي، لما في ذلك من اخلال في توازن القوى الاقليمي، ويقابل هذا الاصرار الغربي باصرار ايراني لا يقل قوة يتمثل برغبة جادة وغامرة في امتلاك قدرة نووية، بيد ان حزمة الحوافز الغربية الاخيرة وما تضمنته من اغراءات اقتصادية وسياسية والتطورات في الملف النووي لكوريا الشمالية، قد تدفع بايران لتجعلها تقترب أكثر من أي وقت مضى من الوصول الى نقطة لقاء مشتركة، فالخلاف ينحصر الآن في مسألة الاشراف على تخصيب اليورانيوم، حيث لا تصر ايران على الانفراد بالتخصيب، بيد أنها تصر على أن يكون جزء من التخصيب على أراضيها وفق اشراف وضمانات دولية، كما ان الطرح الغربي المتضمن وقف المزيد من العقوبات على ايران مقابل وقف ايران للتخصيب مؤقتا قد يوجد مناخا أكثر ايجابية للحوار والتفاهم، وحمل الرد الايراني الأولي على حوافز الدول الغربية الجديدة، الذي تم تسليمه

لـ(خافيير سولانا) يوم الجمعة الرابع من الشهر الحالي مؤشرا ايجابيا جديدا على رغبة ايران في استمرار المفاوضات.

وفي الختام فإن كل المؤشرات تشير الى ان هناك تطورات ايرانية واقليمية ودولية تدفع باتجاه التفاؤل بالخروج من أزمة الملف النووي الايراني لما في ذلك من استقرار وسلام لكل دول المنطقة، بيد أن علينا ألا نرفع من سقف التوقعات، وألا نتوقع خروج ايران من الازمة من نفس المخرج الكوري، فلن يكون هناك تدمير لمنشآت او تسليم لوثائق ومستندات، كل ما سوف يحدث تهدئة من الدول الغربية ومن ايران في الحرب الباردة بينهما، ورقابة دولية أكثر على منشآت ايران النووية للتأكد من طابعها السلمي مقابل حزمة من الحوافز الغربية، وحتى يحين الوقت الذي تعيد فيه الدول الغربية النظر في امكانية دخول ايران لنادي الدول النووية أو تعيد ايران النظر في مبادئ أمنها القومي.

* كاتب سعودي