طهران الحاسمة.. «ربما»

TT

حتى ونحن في أشهر الصيف، يرتدي وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي البدلة الرسمية التقليدية للدبلوماسي الرسمي ذات القطع الثلاث. ولكن لالتزامه بتقاليد الثورة الإيرانية الخاصة بالملابس، فإنه لا يرتدي ربطة العنق. وهذا المزيج من الرموز إنما هو لقطة حية لسياسة إيران الخارجية الصلبة والناعمة في آن واحد.

فالإيرانيون دائما يشيرون إلى رغبتهم الملحة في عقد المباحثات مع الغرب ـ ويشيرون كذلك إلى أنهم مستعدون لعقد حوار جدي مع الشيطان الأكبر في واشنطن. ولكن عندما تكون هناك مناقشة جادة لالتزاماتهم، فإنهم يبقون حذرين. ويبدو أن الإيرانيين يحبون التلاعب: فهم يرغبون في التودد إليهم ويستمتعون بتركيز الانتباه عليهم، ولكنهم ليسوا مستعدين تماما لقول نعم.

ورغم حديثهم عن الدبلوماسية، فإن الإيرانيين ما زالوا يلوحون بسلاح الحرب. وقد كان آخر الأمثلة على ذلك ما حدث من تجارب لصواريخ «شهاب 3» التي يبلغ مداها 1200 ميل ويمكن أن تطال إسرائيل. يقول الجنرال حسين سالامي قائد الحرس الثوري: «إن أصابعنا دائما على الزناد».

والرسائل المختلطة دائما ما يراد بها المراوغة في إطار المشكلة النووية، حيث أفاد متقي خلال الأسبوع الماضي بأنه يأمل في أن يرد الإيرانيون بالإيجاب على المقترحات الجديدة للمباحثات. وبعد ذلك، فإن الرد الرسمي من جانب إيران لم يعط إجابة واضحة بنعم أو بلا. وقدمت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عرضا مفاده «التجميد مقابل التجميد» حيث توافق إيران على عدم توسيع برنامجها النووي في مقابل تجميد العقوبات الإضافية من جانب الأمم المتحدة، قبل إجراء المباحثات. ولكن ما قدمه متقي في خطابه الذي يتألف من ثلاث صفحات إلى خافيير سولانا المبعوث الأوروبي الأول، كان مجرد إجابة عامة غير إلزامية حسبما أفاد أحد من قرأوا ذلك الخطاب. فما الذي تريده إيران؟ ربما لا يدرك القادة هناك ما تريده إيران بالفعل. فهناك جدال ثائر في طهران، حيث يجادل المتشددون بأن الغرب ضعيف، وأن إيران يجب أن ترفض أيَّ حلول وسط. أما المجموعات الأكثر براغماتية، فإنها ترى أن الوقت حان لتجلس إيران على طاولة المفاوضات وتحصد المكاسب والأرباح التي تستحقها. وطفا هذا الجدال على صدر صفحات الصحف الإيرانية، من خلال بعض التعليقات لمسؤولين كبار، حسبما أعلن أحد المحللين في مجموعة «بيرزا هاوس» في مؤسسة الاستشارات بوز آلن هاميلتون: حيث أفادوا بقولهم «إن هناك فجوة كبيرة بين المعسكرين داخل النخبة الحاكمة، كما أن هناك دعما شعبيا للحل الوسط».

وقدم متقي لمحة عن تفكير إيران أثناء مقابلة معه خلال الأسبوع الماضي واجتماع تال مع مجموعة من المعلقين. وكان يبدو واثقا من أن إيران تقف في موقف جيد، بينما تقف الولايات المتحدة وإسرائيل في موقف لا تحسدان عليه. ويقول: «لقد كان هناك زمان يتم فيه تغيير حكومات بسبب مرور إحدى السفن الحربية الأميركية ـ وإلى هذا الحد وصل الخوف من الولايات المتحدة. أما اليوم فإن الولايات المتحدة لديها 150 ألف مقاتل في العراق، وهي غير قادرة على توفير الأمن للعراقيين، بل ولقواتها أيضا». وقلل الدبلوماسيون الإيرانيون من تهديد الولايات المتحدة أو إسرائيل بشن هجوم عليها. وقال متقي إن الحديث عن هجوم أميركي إنما هو «حرب نفسية». أما بالنسبة لإسرائيل، فإنه بعد الصعوبات التي واجهتها في حرب لبنان 2006، فإن «إمكانية أن تقوم إسرائيل بشن هجوم تقترب من الصفر». وعلى النقيض من ذلك، فإن الإيرانيين يبدون واثقين من العقلانية الأميركية ـ ويبدون مقتنعين بأنه سوف يكون من الغباء أن تقوم إدارة بوش بمهاجمة إيران وقواتها مكشوفة في العراق وأفغانستان.

وعندما ألححت على متقي بشأن كيفية رد إيران إذا قرر الرئيس الأميركي المقبل عرض حوار دبلوماسي شامل، فإنه أبدى حذرا بهذا الشأن. وأفاد بأنه كسفير سابق في اليابان، فإنه يحترم وجهة النظر اليابانية القائلة بالحذر من الولوج في المياه غير المعلومة. وهناك مقدار كبير من عدم الثقة بين إيران وأميركا، ولذلك فإن علينا أن نكون واقعيين بشأن ما يمكن أن تحققه الدبلوماسية.

وقد أخبرني بعض المعتدلين من الإيرانيين بأنهم يرغبون في رؤية حوار استراتيجي شامل بين البلدين، مثلما حقق هنري كيسنجر ذلك في المحادثات مع الصينيين عام 1971. لكن متقي أبدى حذراً بشأن سهولة القول بأنه يمكننا «الجلوس والحديث حول كل شيء»، ولكن ربما ينتهي بنا المطاف إلى لا شيء. ويبدو أنه يفضل عملية حوار يناقش فيها البلدان موضوعا أو اثنين من الموضوعات الملحة، وإذا ما حدث نجاح، فيمكن حينئذ الانتقال إلى إجراء حوار موسع.

ويقول متقي في معرض حديثه: «إن ألف باء الدبلوماسية هي الحل الوسط». ولكن يبدو أن الحال ليست كذلك مع إيران المتفاخرة التي تشعر بالثقة والقوة، حيث يبدو أن ألف باء التي تجيدها الآن هي كلمة «ربما». ويبدو أن لغة «نعم» سوف تستغرق وقتا طويلا لتتعلمها.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»