السياسة شر لا بد منه

TT

لا أعرف من الذي قال لعن الله ساس ويسوس، أي لعن الله السياسة.

لعنها الله ولكن لا بد منها، لأن السياسة هي فن إدارة شؤون الناس وتدعيم علاقاتهم والدفاع عنها. وما دامت هناك سياسة فهناك ساسة وهناك سياسيون أو مشتغلون بالسياسة وهناك سلطة وهناك صيغ فكرية واجتماعية واقتصادية لإدارة شؤون المجتمعات والدول والعالم كله، ولذلك فالسياسة علم له قواعد وفن، أي تطبيق لهذه القواعد على العلاقات الإنسانية..

وفي الدنيا كتب كثيرة عن السياسة بقدر ما فيها من كتب عن الشر..

ومن السياسة أن تقول ما لا تحب وأن تحب ما لا تقول.. وفي السياسة أيضاً أن تقول لا عندما تريد أن تقول نعم وأن تقول نعم عندما تريد أن تقول ربما أو أي شيء آخر.

وفي السياسة نجد وجوهاً ضاحكة سعيدة جداً، فأمامك صور الزعماء على غلاف المجلات العالمية.. والله وحده يعلم ما في قلوبهم جميعاً، ولكن السياسة هي أن تكون ناعماً كالسيف وأن تكون خشناً كالرغيف وأن تحتمل ما لا طاقة لك به وتبدو ضاحكاً باسماً سعيداً أو تدعو إلى سعادة الآخرين!

والإنسان حيوان سياسي. عبارة قالها من 25 قرناً أبو الفلاسفة أرسطو، وهو يقصد أن الفرق بين الإنسان والحيوان أن الإنسان سياسي أي أنه يتحكم في رغباته ويظهرها ويخفيها بالعقل، وأن الإنسان لا يستطيع أن يتحرك إلا بنظام وفي نظام..

وضحك الزعماء وسعادتهم الغامرة التي نراها في هذه الصور ليست إلا لحظة واحدة هي لحظة مواجهة الكاميرا أي مواجهة مئات الملايين من شعوب العالم من وراء هذه الكاميرا أي مئات الملايين من المشتغلين بالسياسة والذين علقوا آمال البشرية عليهم لعل وعسى، أي لعل أن يكون هناك حل وعسى أن يجيء السلام..

ولكن انظر إلى هؤلاء الزعماء وقد جلسوا كل واحد بمفرده أو جلس مع وفده الرسمي ثم التقطت له صورة دون أن يدري بك: سوف ترى أن السياسة هي جبل المقطم والأهرامات الثلاثة وقد وقف بعضها فوق بعض رأس أي حاكم مسؤول عن مصير شعب وعن قدر أمة وعن سلام..

لعن الله السياسة ولكن السياسة كالحياة: شر لا بد منه!