موقف حماس من التهدئة مع إسرائيل بناء على معطيات ميدانية وسياسية

TT

بالرغم من ان حركة حماس تعتمد المقاومة كخيار استراتيجي في صراعها مع الاحتلال إلا انها قبلت من وقت لآخر بفكرة التهدئة ووقف العمليات العسكرية بناء على معطيات ميدانية وسياسية. وقد ترجم هذا من خلال الموافقة على التهدئة في السنوات الماضية في مرات عديدة. وتنطلق حماس من ان التهدئة تمثل مصلحة وطنية من خلال تحقيقها عدة أهداف من بينها وقف العمليات العسكرية الاسرائيلية وإتاحة الفرصة امام الشعب الفلسطيني لأخذ قسط من الراحة وتحسين الظروف المعيشية. وقد شهدت السنوات الثماني الماضية مواجهة ضارية بين قوى المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال وبرزت حماس كقوة رئيسة نفذت الجزء الاكبر من العمليات العسكرية ضد اسرائيل، ما دفع قادة جيش الاحتلال الى تركيز ضرباتهم على قادة حماس السياسيين والعسكريين. وقد خسرت حماس العديد من قياداتها البارزين امثال الشيخ احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وابراهيم المقادمة واسماعيل ابو شنب وهو ما أثر عليها وعلى قدراتها.

كما ان تبني حماس إطلاق الصواريخ زاد من ردة فعل جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي وسع من دائرة عملياته العسكرية ضد قطاع غزة بحيث شملت كل مناحي الحياة وحولت القطاع الى مسرح للقتل والتدمير والموت البطيء من خلال حصار محكم وسياسة عقاب جماعية تركت آثارها على كل بيت فلسطيني .

ان حماس ـ وبالرغم من تعاظم قوتها العسكرية وقدرتها على ايقاع ضربات موجعة للاحتلال ـ إلا انها التفتت ايضا الى ضرورة تحديد وضبط المواجهة نظرا لاختلال الموازين العسكرية بين الطرفين، وبسبب الخسائر الفادحة التي حلت بقطاع غزة على وجه الخصوص، لذا فإنها قبلت بالتهدئة كنوع من المناورة في وقف وتحجيم العدوان الاسرائيلي.

في الماضي كانت التهدئة تأتي تحت مظلة السلطة الفلسطينية، باعتبارها الجهة الحاكمة، لكن حين اصبحت حماس مسيطرة على قطاع غزة أصبحت هي العنوان الذي يحدد زمن وآليات التهدئة من خلال تواصلها مع الجانب المصري وأصبحت هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ هذه التهدئة من خلال اتفاقها مع القوى الاخرى، وهو الأمر الذي جرَّ على حماس بعض الانتقادات من قيادة فتح التي رأت ان حماس قبلت بما كانت ترفضه في الماضي من اطلاق الصواريخ والقبول بالتهدئة، كما انه ألقى عليها عبئا كبيرا في ضبط الاوضاع بما لا يسمح بخرقها من قبل أي فصيل آخر .

من خلال متابعة مجريات المرات التي تم فيها الاتفاق على التهدئة نجد انها كل مرة تتعرض للانهيار سواء بعد وقت طويل او قصير وذلك لأسباب عديدة من بينها قيام اسرائيل بخرق التهدئة من خلال عملية عسكرية استفزازية، وتارة تأتي من خلال عدم التزام بعض الفصائل وخروجها عن الإجماع الوطني .

إن التهدئة التي ووفق عليها أخيرا جاءت في ظروف بالغة التعقيد، فحماس كانت تعاني من حصار خانق وعزلة سياسية قاهرة واوضاع معيشية قاسية، اضافة الى تعرض قطاع غزة الى هجمات عسكرية أسقطت المئات من الشهداء والجرحى والمعاقين، كما ان اسرائيل نفسها كانت تعاني من عقدة عدم القدرة على وقف الصواريخ المنطلقة من قطاع غزة بالرغم من استخدامها كل الوسائل الوحشية. ومع ذلك فان التهدئة جاءت أشبه بعملية قيصرية او بمعركة عض اصابع طرحت فيها الكثير من الشروط والشروط المضادة من قبل الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وبالتالي لا يمكن ترجيح الكفة لصالح هذا الطرف او ذاك إلا بما تحقق من نتائج ملموسة على ارض الواقع، وهو الامر الذي ثبت ضعفه في الأيام الأولى حيث بدأت الخروقات تصيب جسد التهدئة بسهام جعلتها قعيدة غير قادرة على المشي والاستمرار.

إن خروج بعض الفصائل عن الإجماع الوطني وسياسة «التربص» و«الاقتناص» الاسرائيلي جعلا التهدئة أشبه ما تكون ريشة في مهب الريح.

إن الانقسام الفلسطيني جعل من الصعب التوافق على قضية ما مهما كان شأنها، وبرز ان المناكفة السياسة اصبحت هي سيدة الموقف، الأمر الذي عقد الأمر والى حد مسبوق، لذا فان أطرافا فلسطينية لم تشأ ان تسجل حماس نجاحا في موضوع التهدئة وبرزت كطرف معوق لاستمرار التهدئة.

يمكن القول إنه بدون ايجاد مصالحة وطنية توحِّد الموقف الفلسطيني من مختلف القضايا الخلافية فان الساحة الفلسطينية ستظل مسرحا للتجاذبات والتناقضات وإضعاف قدرة الجانب الفلسطيني على تحقيق ما يصبو اليه. لذا فان المصالحة والعودة الى الوحدة الوطنية تشكلان المفتاح للخروج من كل الازمات التي تعترض المسيرة الفلسطينية سواء التهدئة، او المعابر، او الجندي الاسرائيلي، او غيرها مما يستلزم التسريع بها قبل ان نفاجأ بأزمات اخرى لم تكن على الحسبان.

* مستشار رئيس الوزراء إسماعيل هنية