الاعتدال أصعب من التطرف

TT

مؤتمر حوار الأديان هو أول مشروع لتقديم الإسلام الى العالم بوجهه الحقيقي، منذ أن شوهه المتطرفون، يوم نشطت التنظيمات المتطرفة، مثل القاعدة وغيرها، في أكبر عملية إساءة تعرض لها الإسلام منذ ظهوره قبل 14 قرنا. لذا يحتاج المؤتمر الى تأييدنا، كونه مشروعا حضاريا في وجه الكتب، والأفلام، والرسوم، والمقالات، والمواقع، والخطب، والتلفزيونات، والإذاعات والمنابر التي سعت لتشويه هذا الدين الكبير، وتفعيل صدام بين الأمم. يريد المؤتمر أن يصحح المسار المنحرف بعد ان مرت سنوات قليلة، لكنها كانت مشحونة، ومدمرة وخطيرة في حياة كل مسلم، حيث فجع العالم بإساءات من مسلمين نحروا رقابا، وأحرقوا بيوتا، وهدموا ابراجا، وفجروا انفاقا وقتلوا الافا، كل ذلك باسم الإسلام حتى جعلوه دينا مكروها وضيقوا على المسلمين في أصقاع العالم. وعلى الجبهات الاخرى افتعل المتطرفون من مسيحيين ويهود قضايا لتحريض اتباعهم، وسعوا وراء إغلاق مساجد، ومدارس، واستهدفوا مجتمعات اسلامية، فكانت أكبر حملة كراهية ضد الإسلام وأسوأ أيام عانى منها المسلمون في التاريخ المعاصر.

عبدالله بن عبدالعزيز ملك شجاع لأنه تبنى ورأس مشروعا يهدد المتطرفين، كلا في مجتمعه. خطا خطوة جريئة بقيادة حركة التسامح والاعتدال، في وقت تمتلئ أجواؤنا بدعوات الكراهية والصدام. وهو يعرف جيدا أن الاعتدال أصعب من التطرف في يومنا الحاضر. يحامي عن الإسلام والتعايش العالمي بين أهل الديانات، ويواجه المتطرفين بلغة إسلامية حضارية، تبحث عما يجمع لا ما يفرق. فخادم الحرمين الشريفين، بموقعه الكبير، اختار التقدم الى الأمام، والدفاع عن الاعتدال عالميا. ومبادرته تعني مواجهة متطرفينا ومتطرفيهم، في آن واحد وتهدد مشروعهم. لهذا سيستمر النقد في الزوايا المظلمة، والصمت السلبي في زوايا أخرى. وبالتالي فإن جبهة علماء التطرف والتشكيك ترى في مؤتمر حوار الأديان في مدريد تهديدا لمشروعها الفكري وحضورها السياسي، ولذا تخندقت ضده، إما بمحاربته علانية، أو بالتشكيك فيه. يشعرون بخطر المؤتمر عليهم، كفكرة ومشروع وقيادة، وهم لم يترددوا في التعبير عن رأيهم، حيث حفلت صحف أمريكية وإسرائيلية بمقالات ناقدة، وكذلك سايرتها مواقع إسلامية، وتصريحات منسوبة الى إسلاميين، عدا عن الصمت المشبوه الذي التزم به البعض من كبارهم. هؤلاء يرفضون الحوار والاعتدال، ويجزمون بإفشال المؤتمر، مؤتمر حوار الأديان في العاصمة الإسبانية. مع هذا انتظم، وعقد المؤتمر، وجلس رجال الدين المسلمون مع يهود ومسيحيين وبوذيين وهندوس وغيرهم في مشهد نادر ومثير وتاريخي. عمليا نظم الملك أول معركة جماعية عالمية ضد المتطرفين، وضد الكراهية، بدأها بجمع المعتدلين في وجه المتطرفين.

[email protected]