أبعدوا هذا المتحرش

TT

اسمحوا لي أن أكرر للمرة الثانية في أقل من أسبوع (للضرورة) المعادلة المنطقية التي ابتكرها الدكتور ممدوح البلتاجي عندما رد على انتقادات الصحف الأميركية حول هجوم الأقصر بالقول إنه يقتل كل يوم في كاليفورنيا أضعاف ذلك العدد. أوردت ذلك لأقول ما معناه أن الرد على المذكرة الدولية في حق الرئيس السوداني يجب ألا يكون بالتذكير بعدد القتلى في نيويورك أو لويزيانا. فالسابقة الأولى في مثل هذا المنطق لم تفدنا في شيء. وهي القول إننا خسرنا حرب 67 لأننا كنا ننتظرهم من الشرق فجاءوا من الغرب لأن المنطق المنطقي يقول إن الحرامي يأتي من النافذة الأخرى، خصوصا إذا كان يعرف أنها غير محروسة.

بماذا ردت الخرطوم على قرار ظني من عشر صفحات؟ فرحت الفرح العظيم ونالت البهجة الكبرى عندما اكتشفت أن المدعي العام الأرجنتيني متهم بـ «التحرش الجنسي» فطالبت بإقصائه عن ملف دارفور. فورا. بماذا يتهم المدعي العام الأرجنتيني «الجنجاويد» وأدوات السلطة في دارفور؟ بقتل 35 ألف إنسان وتشريد 2.7 مليون وعمليات الاغتصاب الجماعي بطريقة منهجية: ثلث المغتصبين والمغتصبات أطفال!

نحن منطقة مشردين، أكثرهم بؤسا وفقرا وظلامة، أهل دارفور. شردنا الإسرائيليون في مجازر مدبرة نفذها اسحق شامير . وبعد ذلك تولى الشقيق الداخلي عملية التفقير والتشتيت والتجويع. والى الآن لا أحد منا يعرف على وجه الضبط إن كان صدام حسين أو جورج بوش قد شرد العدد الأكبر من العراقيين. ولا نعرف على وجه الضبط من هو المسؤول أو المسؤولون عن تهجير مليوني لبناني خلال الأعوام الثلاثين الماضية. ولا نعرف من هو المسؤول عن تهجير ملايين اللاجئين الاقتصاديين من بلدان تعجز عن تأمين الحياة اللائقة لمواطنيها وتدفع بهم في كل اتجاه بلا أي خجل أو شعور بالكرامة.

أصرت الحكومة السودانية منذ البداية على أن لا مشكلة في دارفور وكل ما في الأمر تدخل إسرائيلي واستعماري. وأصرت على أن الجريمة الكبرى هي موقف الأمم المتحدة. وها نحن الآن أمام ملف رسمي يتحدث عن 35 ألف قتيل وحوالي 3 ملايين مشرد وعدد غير معروف من ضحايا الإذلال الجنسي الإجرامي الذي هو في مثل هذه المجتمعات أكثر فظاعة من القتل والتشريد، وإن يكن أخف وطأة من التحرش الجنسي. قال أديب اسحق:

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر/ وقتل شعب آمن جريمة فيها نظر.