ثقافة الديون

TT

على صدر الصفحة الأولى لصحيفة «نيويورك تايمز» في عدد يوم الأحد الماضي، ناقشت غريتشن مورغينسون قضية ارتفاع المديونية وكيف أن ديان ماكليود قد وقعت فريسة لها. وقد بدأ الجدال حول من يستحق اللوم بسبب هذه الأزمة. وقد اتهم البعض المقرضين اللصوص الذين أغروها بخطوط الائتمان وعروض الرهن غير المفهومة. وديان أم وحيدة تعرضت لمشكلات صحية ومرت بتجربة الطلاق. وقد كانت تعمل في وظيفتين وتتعرض لضغوط كبيرة. ووجدت نفسها محاصرة من قبل شركات بطاقات الائتمان التي تقدم عروضا سهلة لدفع المال. وبصورة موجزة، فقد انقضت هذه الشركات على هذه المرأة المسكينة وأخذت كل ما تستطيع منها وتركتها توشك على الإفلاس.

والبعض الآخر يلوم السيدة ماكليود، حيث أن الأمر كله في حدود مسؤوليتها. فهي التي قبلت عروض بطاقة الائتمان، وكانت تعلم أن عليها الوفاء بما عليها من قروض. فقد اتجهت إلى الشراء بمبالغ كبيرة لتشعر بالتغلب على هذه الأزمة. كما قامت بإجراء عملية جراحية. وإذا نظرت إلى قسم التعليقات على مقالة مورغينسون، فسوف ترى أنصارا لكلتا وجهتي النظر، حيث يتجه جانب إلى الحديث عن الأمان الاجتماعي، ويتجه الجانب الآخر إلى الحديث عن المسؤولية الشخصية.

لكننا إذا نظرنا إلى هذه القضية وكل الأزمات المالية المشابهة، فإننا نجد أن هناك موقفا ثالثا. وهذا الموقف الثالث يبدأ بمفهوم أن الأفراد تدفعهم الرغبة في كسب المزيد واكتساب احترام أقرانهم. وأن الأفراد لا يبنون حياتهم من الصفر. إنهم يكتسبون الأنماط والعادات السلوكية لأفراد آخرين من حولهم. فالقرار الذي نتخذه ـ سواء كان قرار قرض أو زواج ـ لا يكون نابعا من أنفسنا. ولكنه يكون عبارة عن سلسلة طويلة من العمليات التي يحدث معظمها تحت مستوى وعينا وإدراكنا. إننا نتكسب أسلوبا لإدراك العالم من حولنا من خلال الوالدين والجيران. نحن نحاكي سلوك من حولنا. ويظهر شعورنا في نهاية هذه السلسلة الطويلة من العمليات فقط. وحسب هذه الرؤية، فإن ما حدث لماكليود والنظام المالي في بلدنا، لهو جزء من قصة اجتماعية أكبر وأشمل. فأميركا كانت تحكمها ثقافة الإسراف والتبذير. ولكن في العقود الأخيرة، تعرضت هذه الثقافة غير المعلنة إلى التآكل شيئا فشيئا.

وقد تسبب ارتفاع أسعار العقارات في شعور الأفراد في أنه يمكنهم المخاطرة أكثر وأكثر. وقد دخلنا إلى فترة من الترف الجماهيري حيث أصبح الجميع يطمع في الترف. وقد تغيرت العادات والطبائع وبدأ البعض في قول المزح لجعل الأشياء المحرمة والمحظورة أمرا طبيعيا. وبدلا من مكافحة الاستهلاك الزائد، أصبحت السخرية من التبذير أمرا شائعا. إن ماكليود والمقرضين لم يسهما فقط في تدهور التقاليد فقط، ولكنهم ساعدوا في انحطاطها. فعلى الرغم من كل التأثيرات الاجتماعية غير الظاهرة، إلا أن هناك مرحلة نهائية من اتخاذ القرار حيث يجب على المرء أن يتحمل نتيجة اختياره. وفي كل مرة يقوم فيها المقرض الشره بعقد صفقة مع المقترض الشره، فإن ذلك يسهم في وضع مفهوم جديد للسلوك المقبول يستنبطه الجيران والأسرة والأصدقاء. فكل قرار إما أن يكون في صالح المجتمع أو يكون معولا في هدم بنائه. وقد جاء دور السوق المتقلبة لتعاقب العديد ممن استسلموا للإغراءات المادية. وفي هذه الأثناء، تسعى المؤسسات الاجتماعية لإعادة الأمور إلى نصابها. وتقوم الحكومة بإرسال بعض الرسائل. وتعمل وزارة المالية وبنك الاحتياطي الفيدرالي على محاولة دعم استقرار النظام والتأكد من عدم تعرض المزيد من الأفراد لمثل هذه الأزمات. لكن التحولات المهمة سوف تكون سرية، لأن الأفراد والمجتمعات تتعلم وتتبنى مقاييس اجتماعية مختلفة. وبعد الأزمة المالية العاصفة، فإن ثقافة الادخار قد بدأت تسود ويعلو شأنها. وبعد فقاعة الإنترنت فقد حان دور المقترضين والمقرضين. ومثلما يقول المثل: «لا يتغير الأفراد عندما يرون النور.. وإنما يتغيرون عندما يشعرون بالحرارة».

* خدمة «نيويورك تايمز»