صاحبة الكبرياء الأنثوية

TT

هناك لعبة سخيفة وسمجة اسمها لعبة (الاعترافات).

وقد قادني حظي العاثر يوماً للذهاب لمجموعة من (الفاضيين) الذين لا شغلة ولا مشغلة عندهم غير اللعب على ذقون بعضهم البعض ـ رغم أنهم بلغوا من العمر (أكثر من عتيّاً).

عندما (هلت) طلعتي غير البهية عليهم (هللوا) مستبشرين، معتقدين أنني صيدة سهلة، وحاولوا أن يستدرجوني ويورطوني ومن ثم يستجوبوني، لكنني أصررت على الرفض القاطع قائلاً لهم: يكفيني اعترافاتي المخزية في الجريدة، وسأشارككم إن وافقتم كمتفرج أو كمشرف أو كمحكم فقط لا غير. وافقوا على ذلك، وقعدت منهم مقعداً قصيّاً أستمع وأتفاجأ وأذهل وأردد بيني وبين نفسي بتكرار متواصل: الحمد لله على العفو والعافية، وعلى زينة العقل.

كان عددهم لا يقل عن عشرة (طحوش)، ويتقدم المعترف منهم ويجلس على كرسي مواجهاً الجميع، ثم تتوالى عليه الأسئلة المحرجة التي لا يمكن أن تخطر على البال.

ومهما حاول المتهم المعترف أن (يزوغ أو يملص أو يزمط) فالكل جالس له بالمرصاد، ليخرج لهم أسوأ ما تكتنزه حياته من تجارب و(بلاوي).

طبعاً من المستحيل أن أحكي لكم ما سمعته، فالمجالس مثلما يقولون أمانات، وحتى لو لم تكن أمانات بالنسبة لي، فإنني واثق أنها غير صالحة للنشر، وليست فيها أية فائدة ولا حتى (فكاهة ولا مازية).

غير أنني سوف أروي لكم أبسطها، فقد قال أحدهم وهو على كرسي الاعتراف: إنني أحمر حجلاً كلما تذكرت ذلك الموقف الذي حصل لي عندما كنت لا أتجاوز الثالثة عشرة من عمري.

فقد كنت معجباً ببنت جيراننا التي لا يزيد عمرها عن عمري.

ووقع بيدي كتاب قديم مترجم عنوانه: رسائل لكل المناسبات.

فنسخت إحدى الرسائل منه وأرسلتها إليها مع أخيها ذي الخمس سنوات.

ملاحظة لا بد منها: لقد طلبت فيما بعد من ذلك الرجل أن يزودني بالرسالة التي بعث بها، ومن حسن الحظ انه لا يزال إلى الآن يحتفظ بذلك الكتاب كذكرى لتلك الفشيلة.

وهي الرسالة التي بدأها قائلاً: يا صاحبة الكبرياء الأنثوية، لقد انقضت سنة ونصف منذ أن كرمتني باستقبالي في منزلك الأنيق، وحظيت برؤية وجهك المشرق، وليس لي أمل في هذه الحياة إلاّ أن أنال رضاك، وأن سعادتي تتوقف على جوابك، فهل أجد لي مكاناً في قلبك الكبير؟!

إنني باختصار أطلب يدك الكريمة، فإما أن أنالها وأنال معها كل شيء، وإما أن أفقدها وأفقد معها كل شيء.

الإمضاء: عبدك المتيَم (...........).

ويمضي صاحب الاعتراف قائلاً: أخذ أخوها الصغير الرسالة بكل براءة ليعطيها لأخته، فشاهدت أمه الرسالة بيده وأخذتها وقرأتها واحتفظت بها.. وجلست أنتظر الرد على أحر من الجمر، وبعد أسبوع ذهبت مع عائلتنا لزيارتهم.. وتفاجأت بوالدتها تنتحي بي جانباً وتسألني بصوت خافت: هل تريد أن تقابل صاحبة الكبرياء الأنثوية، أيها العبد المتيم؟!

عندها عرفت أنني (طبيت وما أحد سَمّى عليّ)، وغرقت في عرقي من شدة الخجل.

ومن يومها إلى الآن لم أشاهد صاحبة (الكبرياء)، لكنني سمعت أن لديها الآن ثمانية أبناء.

[email protected]