كتابات الصيف صاحب «الجبل الأبيض»

TT

لدى كل مغامر أو رائد أو مكتشف، دافع ما. أو أكثر من دافع. ولذا تبدو الملاحم شاقة أو محزنة أو مثيرة. ولكن هل يمكن أن تبدو مسلية أيضاً؟

اسمعوا قصة قهر الجبل الأبيض، أعلى جبال الألب. لقد كان ذلك هو الحلم الذي راود الاريستوقراطي هوراس بنديكت دو سوسور، مذ وعى الحياة في مدينته جنيف. ومنذ صغره سمع ان الشياطين والسحرة تسكن جبال الألب القريبة وترمي بالحجارة والصخور كل من حاول تسلقها. وكان يعتقد ان الجبل الأبيض هو أعلى قمة في أوروبا وآسيا وافريقيا (15771 قدماً) ولذلك أعلن عام 1761 عن جائزة لمن يستطيع الوصول إليها.

حاول الكثيرون، خصوصاً الصيادين، لكنهم لم يبلغوا سوى الخطوط المعروفة عام 1785، بعد ربع قرن على اعلان الجائزة، خطرت لسوسور فكرة الصعود بالمنطاد. لكن في هذه الاثناء كان طبيب من بلدة شاموني القريبة ومزارع قد وصلا الى ارتفاع 11400 قدم. وفي 6 آب 1786 قاما بمحاولة أخرى ووصلا الجبل الأبيض في 8 منه. وسارع سوسور الى تسليم الجائزة. وانهالت عليه التهاني من انحاء اوروبا وكأنه هو الذي قام بالمغامرة. وأثار ذلك شعورا بالذل في نفسه فماذا قرر أن يفعل؟

قرر النبيل الثري أن يقوم بعملية التسلق بنفسه. وفي آب 1787 انطلق صعودا برفقة 18 حمالاً. واتخذ نفس الطريق التي رسمها الرائدان اللذان سبقاه، الطبيب ميشال غابرييل باكار والمزارع جاك بالمات. وأخذ يدوِّن مشاهداته مرحلة مرحلة. واعتبر العلماء ان سوسور هو الرائد الحقيقي للقمة، غير انه لم يقتنع بذلك. وفي تموز 1788 صعد إلى قمة «تلة العمالقة» على علو 11 ألف قدم مع ابنه وخادمه واقام في مخيم لمدة 14 يوماً لكي يؤكد للآخرين ان في امكان الانسان ان يعيش هذه الفترة دون أوكسجين. وقد رافقه في هذه الرحلة بالمات كمرشد. ودرس الفريق خلال الرحلة تطور حركة الغيوم وتبدل الحرارة وساعدهم الطقس الجيد على التمتع «بأجمل المناظر تحت ظل القمر». وكانت اذا هبت عاصفة يعمد سوسور الى قياس قوة الرعد.

تعلق سوسور بالحياة في الألب فكان يعود كل عام حتى العام الأخير من حياته، 1798. لقد تحول صاحب الجائزة الى واحد من أشهر المتسلقين في التاريخ.