حريم «القاعدة»: قاتلات مجهولات

TT

قُدِّر للعراقية ساجدة الريشاوي أن تفشل في تفجير نفسها في عملية كان مقرراً لها أن تنفذها في أحد فنادق عمّان عام 2005.

فشل ساجدة في إتمام المهمة التي أرسلها تنظيم «القاعدة» من أجلها، كان السبب الوحيد الذي أتاح لنا رؤية وجهها وسماع صوتها وهي تدلي باعترافاتها لاحقاً قبل محاكمتها.

أما باقي الانتحاريات العراقيات اللواتي بتن أحد أخطر أسلحة تنظيم «القاعدة» في العراق، فبالكاد نعرف لهن أسماء وبعض تفاصيل.

خلال الأسبوع الماضي، نفذت أربع انتحاريات عراقيات هجمات دموية في يوم واحد أوقعن فيه ضحايا بالعشرات، إلا أن «القاعدة» وكأي تنظيم متطرف ينطوي على الكثير من التناقضات، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالنساء، وحتى لو كنّ انتحاريات. فتنامي دور النساء في التنظيم بصفتهن جنديات قررن الموت خدمة لأهداف التنظيم، لا يعني بالضرورة ارتقاء مرتبتهن التي كانت وستبقى في منزلة أدنى بدرجات عن زملائهن الانتحاريين الذين غالباً ما نشاهد صورهم أو تسجيلات أخيرة لهم قبل إقدامهم على تفجير أنفسهم وقتل أبرياء.

هذا التنظيم الذي درج ومنذ تأسيسه على الترويج لقادته وعناصره عبر أفلام وتسجيلات آخرها ما بث قبل أسابيع قليلة فيلم له عنوان يحاكي عناوين الأفلام الهوليوودية على الطريقة القاعدية وهو «ظلال السيوف». في الفيلم كما في تسجيلات «القاعدة» المصورة، احتفاء بالمقاتلين وتسجيل للرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري حول نشاط التنظيم في بلاد المغرب ودعوة لتحرير الأندلس.

بصرف النظر عن الرسائل السياسية المتعلقة بنشاط التنظيم في شمال أفريقيا، فلا جديد مشهدياً في الفيلم.

كل إنتاجات تنظيم «القاعدة» التسجيلية هي ذكورية حصراً، والنساء لسن عنصراً بصرياً في الصورة التي يقدمها تنظيم «القاعدة» لنفسه.. رجال يتدربون وآخرون يدلون بوصاياهم الأخيرة وقادة كهول خط الشيب لحاهم، لكن لا أثر للمرأة، على رغم أنها دخلت ومنذ أكثر من سنتين كواحدة من أدوات القتل القاعدية الأكثر فتكاً.

دافع المرأة للإقدام على الانتحار وعلى قتل الأبرياء، مختلف من دون شك عن دافع الرجل.

فهذا الأخير دخل القتل إلى وعيه بصفته جزءاً من ذكورته. أما المرأة فإقدامها على ذلك مصدره ضعف وخيبة وفشل تساق إليها سوقاً.

هذا ما يمكن الخلوص إليه من سيرة ساجدة الريشاوي، ومن سيرة زميلتها البلجيكية مورييل دوغوك، التي جندتها «القاعدة» ونفذت عملية في العراق في عام 2005.

قبول «القاعدة» المرأة جندية حصل على مضض ولدواع عملانية تتعلق بالصعوبات الميدانية التي صارت تواجه الرجال، لكن قبولها لا يعني أبدا تنازلا عن تلك الامتيازات التي تعطى للانتحاريين الرجال، لا احتفال بها ولا صورة ولا حتى اسم.

لسنا هنا في مجال المطالبة بحقوق الانتحاريات، لكننا بصدد عرض مفارقة أملاها حجب وجوه النساء المقدمات على الانتحار وحجب أسمائهن، فكأننا حيال ظلامة مضاعفة تتمثل في دفعها إلى الموت والقتل وأيضاً إلى الانمحاء تماماً كما انمحى جسمها في ذلك الانفجار الرهيب.

diana@ asharqalawsat.com