كتابات للصيف شاعر الرحلة الأخيرة

TT

دوَّن الرحالة أسفارهم أو أملوا مشاهداتهم نثرا. واحيانا بالأراجيز كما فعل أحمد بن ماجد. لكن سيد المعلقات وشاعر الطلول وصف لنا رحلته الى بلاد الروم شعرا. ودائما من أجمل الشعر. وكما حفظت العرب «منعرج اللوى» وكأنه اسم الحارة المجاورة، هكذا حفظت «الدرب» دون ان ندري انه اسم علم لطريق مرصوف يصل ما بين بلاد الشام وبلاد الروم: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه/ وأيقن إنا لاحقان بقيصرا

فقلت له: لا تبك عينك إنما/ نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

كان امرؤ القيس من نبلاء العرب، وفي شبابه كان وسيما لاهيا ومتهتكا حتى انه سمى النساء بأسمائهن. غير ان مقتل أبيه قلب حياته فابتعد عن جميع الملذات واقسم ان يثأر له، فطلب العون من أخواله بني ربيعة ومن أبناء عمومته في اليمن، فأمدوه أولا، ثم انفضوا عنه. وهكذا قرر ان يطلب مساعدة قيصر الروم.

وكانت هذه أول مرة يطلب فيها ملك عربي من كندة مساعدة الروم. هل وصل امرؤ القيس الى بلاط القيصر حقا ومات مسموما؟ الروايات متضاربة. بعض الباحثين العرب يجزم بأن الشاعر مات بالجدري قبل وصوله وان كان ما قيل عن وفاته في بلاط القيصر نسج أساطير. البعض يقول ايضا ان اكثر ما نعرف عن بداياته ونهاياته مجرد حكايات.

لكن الثابت هو ما تركه لنا امرؤ القيس نفسه من وصف الطريق والمعاناة والاصابة بالحمى. ويؤسفني شديد الأسف ان اهلنا في بعلبك انكروه وأساءوا معاملته ولم يعرفوا قدره:

لقد انكرتني بعلبك وأهلها ولابن جريج في قرى حمص انكرا

وخاض معارك في مواقع من حلب. تزاملت الحمى والجدري والجرب على الشاعر النبيل وازداد شقاؤه وتحولت وسامته المشهورة الى دمامة، وراح يتمنى ان يخلصه الموت من عذابه.

مات امرؤ القيس في أنقرة حوالي 530 ـ 540م. ولم يصل على الأرجح القسطنطينية، مقر القيصر. وذكر في بعض المراجع ان اخبار القسطنطينية تحدثت عن وفاة رجل باسم امرئ القيس بمرض الجدري، وان ملك الروم لما علم بوفاته أمر بإقامة نصب له. وهي رواية غير ثابتة مثل كثير سواها.