عبد الله بن عبد العزيز الداعي من قلب أوروبا إلى عالم أفضل

TT

اعتاد العالم في الماضي على ظاهرة التبشير التي طالما اسست لصراعات طائفية وهي ظاهرة لم تنته. وهذه على سبيل المثال واقعة إغواء شخصين جزائريين مسلمين من اجل اعتناق البروتستانتية تكاد تشعل فتنة بين الجزائر المسلمة والمجتمع الاوروبي.. وبالذات حيث كنائس جماعات التبشير لا تزال تنشط. وفي المحصلة النهائية ان مثل هذه المحاولات تثير الشبهات وليست الحل للمجتمعات في اي حال، فضلاً عن انها تؤسس للتعصب والتطرف بما يهدد النسيج الاجتماعي لشعوب كثيرة.

مناسبة كلامنا هذا ان المجتمع الدولي وبكل اطيافه الدينية والمذهبية كان يوم الاربعاء 16.7.2008 يتأمل في ما يقوله من مدريد قلب اوروبا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمة افتتح بها «المؤتمر العالمي للحوار» وكيف ان هذا القائد الاسلامي الذي تحتضن بلاده الحرمين الشريفين وتسعى بكل دأب واخلاص لفك أسر الحرم الثالث يقوم بالدعوة للحوار والتقارب ومجتمع سياسي دولي يرتكز الى استبدال الصراع بالوئام، والعنف بالحوار، والبغضاء بالقيم.

وهو في ذلك لا يميز ولا ينحاز ويرى ان الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام، وكذلك المعتقدات الشرقية البوذية والكونفوشوسية والهندوسية، قادرة في ظل الحوار أن تتعايش... بل وتستفيد من بعضها البعض، وبذلك يصبح متيسراً سد الثغرات التي يَنْفذ منها اصحاب افكار تصل الحال بطارحيها الى بذر الشقاق وتحريض اطياف المجتمع بعضها ضد بعض. وما نعيشه منذ بضع سنوات دليل على ان الافكار التي روَّج لها اصحابها على انها الحل اسست لحالات من العنف ذهب ضحيته الوف الابرياء، فضلاً عن انها اسست لـ«مجتمع الجريمة السياسية» تحت ستار تفسيرات لكتاب الله والحديث لا علاقة لها بالمنطق من قريب او بعيد، كما انها تشحن النفوس غرائز من البغضاء للآخر.

ولقد انبرى في الماضي مفكرون عقلاء كثيرون من مختلف الاديان والمذاهب طارحين الافكار الخلاقة، لكنها بقيت في اطار التنظير لأن وضعها موضع التنفيذ كان يحتاج الى من يرعاها وبحيث يكون صاحب شأن قيادي وليس استفزازياً في طروحاته مهما كانت طبيعة مشاعره، وعلى نحو ما فعل الرئيس بوش الابن الذي لم يكلف نفسه الإحاطة بالدين الاسلامي ولذا لم تستطع ادارته ضبط غرائز كثيرين اعتبروا ما حدث من عمليات ارهابية بأن الدين الإسلامي هو دين ارهاب، ووصلت الحال بالبعض أمثال الرئيس الحالي للكنيسة الكاثوليكية الى ان يقول في محاضرة له كلاماً في شأن الإسلام وعلاقته بالعنف مجافياً لحقيقة الدين الحنيف وجوهره. كما ان هذه النظرة من جانب البابا جعلت بعض الكتَّاب والرسامين الاوروبيين يخرجون عن آداب الكتابة والتعبير الفني بالريشة ويكتبون ويرسمون ما من شأنه قلب الحقائق. ثم جاء لقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز بالبابا يبدد الكثير من الشوائب ويضع الأمور في مدار الحقيقة المجردة من الغرض.

في أي حال كان لا بد من احتضان على المستوى الفاعل لمبدأ الحوار بين المتدينين وعدم ترك الأمور مجرد افكار مطبوعة في كتب أو احاديث مبثوثة عبر الفضائيات وبذلك يمكن محاصرة الذين يثيرون الشغب الفكري وبالذات في ما يتعلق بالدين الاسلامي، ويعتبرون أنه دين العنف وانه العائق امام التفاهم بين الأمم كونه يرفض بقية الاديان وكذلك المعتقدات غير السماوية، وهو في أي حال رأي منقوص الدقة وقائلوه من المغرضين.

من هنا فإنه عندما يتقدم الرمز الأهم في الأمة الملك عبد الله بن عبد العزيز بما تمثِّله المملكة العربية السعودية التي خصَّها الله سبحانه وتعالى بشرف ونعمة احتضان الحرمين وبما لـ ابو متعب شخصياً من مكانة في المجتمع الدولي، ويقول ما معناه: حيّ على الحوار وبين بني البشر من دون استثناء، ويعتبر بعقل رجل الدولة والحكمة ان مآسي البشرية لم تكن بسبب الاديان وانما بسبب تطرُّف البعض، وان إلحاق الهزيمة بالكراهية يكون من خلال المحبة مذكِّراً في استمرار بأن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية، فإنه بذلك أطال الله عمره يقوم بدور المبشِّر من اجل عالم افضل. وهو دور سيذكره التاريخ له لأنه دور انقاذي يقوم به في زمن بات الحوار والتسامح والوسطية لا تأخذ فرصتها امام التعصب الأعمى والتشدد الذي هو الجامع المشترك بين كثيرين في الغرب والشرق على حد سواء. ومن شأن حكمة الملك عبد الله بن عبد العزيز ترويض هؤلاء من خلال ما يطرحه وتحصين قيادات المستقبل من هذا «الفيروس» الذي إبتُلي العالم به طوال عقد من الزمن وكان دائماً في انتظار المصلح الذي ينقذ الجميع من شر هذا «الفيروس» الذي شوه الحقيقة فبات الحق باطلاً والباطل حقاً.

بورك سعي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وأما افراد هذه النخبة المشاركة في مؤتمر مدريد الذين وقفوا تقديراً وتصفيقاً له بعدما طرح رؤيته ومن دون اي تزويق، فإنهم فعلوا ذلك نيابة عن ملايين في العالم لا يُخفون قلقهم من تداعيات الفوضى الفكرية وبالذات حول الاديان ويخشون من مستقبل مظلم للأجيال. وهؤلاء باتوا يرون في الأفق ملامح عالم افضل يتبادل الجميع وكل بلغته عبارة: السلام عليكم، وعليكم السلام ورحمة الله.