صراع هندي ـ باكستاني على النفوذ في أفغانستان

TT

قبل ساعات قليلة من استقبال الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش رئيس وزراء باكستان يوسف رضا جيلاني في 28 من الشهر الماضي، قصفت طائرة اميركية من دون طيار بالصواريخ مجمعاً سكنياً في جنوب وزيرستان داخل باكستان، قُتل فيه احد زعماء «القاعدة» مدحت مصري السيد عمر ـ ابو خباب المصري ـ الذي يحمل الرقم 37 بين الارهابيين المطلوبين من اميركا.

لم يكن التوقيت صدفة، اذ سمح للرئيس بوش بمواجهة جيلاني، خصوصاً ان قتل المطلوب اكد الاتهامات بأن اسامة بن لادن وشبكة «القاعدة» يتخذون من مناطق قبائل الباشتون في باكستان، ملاذاً آمناً ويتحركون من دون اي اعاقة عسكرية باكستانية.

لم تمنع المعلومات هذه، الرئيس بوش من تأكيد دعمه لسيادة باكستان، فاضطر جيلاني بدوره الى تكرار التزام بلاده بمحاربة المتطرفين والارهابيين الذين «يعيثون فساداً وخراباً في العالم».

في الحقيقة يترأس جيلاني تحالفاً حكومياً غير متجانس، وليست لديه قابلية لمعاركة قبائل الباشتون في المناطق الحدودية. ومنذ فوز المعارضة الباكستانية في الانتخابات في شهر شباط (فبراير) الماضي وتسلمها السلطة، وتحجيم دور الرئيس برويز مشّرف، والحكومة الجديدة تتبع سياسة الهدنة والتفاوض مع المقاتلين على الحدود وتتجنب العمليات العسكرية.

ان الوضع يزداد توتراً في باكستان وافغانستان وهناك ازمة تتعلق بالاستخبارات الباكستانية وعلاقتها بالجهاديين، ومحاولة معرفة من يسيطر على الجهاز. ومع تسلم الجنرال دايفيد بترايوس رئاسة القيادة المركزية الاميركية من المتوقع ان يتحول تركيزه نحو افغانستان، وامامه تحديان لتحقيق ذلك: التفاوض مع ايران، والسيطرة على الفوضى في باكستان. العقدة في هذا الأمر ان باكستان هي جزء من المشكلة وجزء من الحل. وفي الوقت الذي ضاعفت فيه واشنطن ضغوطها على اسلام آباد، ودلت من خلال تصرفاتها الواضحة على انها لن تتردد في القيام بعمليات عسكرية احادية من دون التنسيق مع الباكستانيين، او اخذ الاستقرار السياسي لباكستان بعين الاعتبار، الا ان اميركا تدرك انه لمنع الانفجار في افغانستان تحتاج الى استراتيجية سياسية تكّمل خيار القوة. وهنا برزت اشارات تتعلق بالاستراتيجية التي سيعتمدها بترايوس والتي تحتاج الى حل المشاكل على جبهتين: ايران والاستخبارات الباكستانية.

يرتبط العامل الايراني بتدفق الجهاديين من العراق الى افغانستان، ومع الهزائم التي تتالت على «القاعدة» في العراق اخيراً، فان الكثيرين من مقاتليها وقادتها قرروا الانتقال الى مكان يوفر لهم قتالاً اكبر، وهم لجأوا الى الاراضي الايرانية للعبور منها الى افغانستان وباكستان. وكانت صحيفة افغانية وصفت ايران بـ«نفق الارهابيين» الى وزيرستان، وانها المدخل الأسهل للمقاتلين القادمين من الشرق الاوسط. ومع تحول مقاتلي العراق الحانقين، تصاعدت الهجمات في افغانستان وتضاعف عنفها ما جعل الولايات المتحدة تشعر فعلاً بصعوبة التحكم بالاوضاع.

علاقتان «ارتكبتهما» الولايات المتحدة في الماضي، ارتدتا عليها الآن، والعلاقتان سببهما افغانستان، انما بظرفين مختلفين. وربما تشعر واشنطن الآن، بأن لديها حلاً لتدفق الجهاديين من ايران، ذلك ان الخطر من اقامة دولة لطالبان في باكستان يتهددها تماماً كايران.

حتى الآن لا تزال ايران تشعر بالغبطة كون اميركا ابعدت عنها خطرين، الاطاحة بدولة طالبان في افغانستان، ونظام صدام حسين في العراق. ايران قبل الهجوم الاميركي على افغانستان تعاونت بالكامل مع الاميركيين، زودتهم بمعلومات امنية، وسهلت مرور الطائرات الاميركية في اجوائها لقصف طالبان عام 2001، كما انها لم تكن لتمانع، لو ان اميركا ارادت استعمال مطاراتها لهذه الغاية. والتعاون الذي وفرته ايران لاميركا اثناء استعداداتها لغزو العراق، سمح لايران بالقضاء على خطر طالبان على حدودها الشرقية، واعطاها ورقة العراق للمساومة عليها لاحقاً.

اميركا حاولت خلال السنوات السبع الماضية تجاهل «الفضل» الايراني، لكن الدولتين الآن تتفاوضان حول العراق، كما ان مسؤولين ايرانيين قالوا علناً، ان اي تقدم على جبهة مفاوضات الملف النووي الايراني سيؤدي الى تقدم في «ساحات» افغانستان والعراق ولبنان. واثار ذكرُ لبنان حنق مسؤولين لبنانيين لا يرون الصورة ضمن اطارها الاقليمي الواسع.

العلاقة الثانية مرتبطة بالاستخبارات الباكستانية «المخترقة» بالمتعاطفين مع الجهاديين، وتتهم واشنطن الاستخبارات بأنها تساعد جلال الدين حقاني زعيم الحرب الباشتوني الذي يقود حملات ضد الاميركيين الآن في افغانستان.

ان علاقة الاستخبارات الباكستانية بامراء الحرب الافغانية، وبالذات الباشتون ليست بالشيء الجديد، كما ان جهاز الـ«سي. أي. إي» يعرف ذلك جيدا، اذ لعبت الاجهزة الأمنية الاميركية دوراً اساسياً في اقامة وتمويل تلك العلاقة خلال الثمانينات، عندما كانت الاستخبارات الباكستانية «المعبر» الذي تمر فيه الاموال والاسلحة الاميركية الى المجاهدين الافغان في حربهم ضد الاحتلال السوفياتي. وحقاني بالذات كان له الدور الاكبر في تجنيد متطوعين اسلاميين من انحاء العالم وجلبهم الى باكستان لمقاتلة السوفيات، وعلى رأس هؤلاء كان اسامة بن لادن.

في خضم عمليات المجاهدين لقلب الحكم الموالي للسوفيات عام 1988، كان حقاني على اتصال دائم مع بن لادن ومسؤولي الاستخبارات الباكستانية، واعتمد هؤلاء ومعهم جهاز الـ«سي. أي. إي» على حقاني لاختبار الاسلحة والتكتيكات، وكان الجهازان يبدّيان حقاني على كثيرين، ليقوم بدوره بتزويد المتطوعين العرب الذين هرعوا للمساعدة في الجهاد. وكان رجال الـ«سي. أي. إي» المتمركزين في اسلام آباد يعتبرون حقاني الأقدر على تجنيد الشباب.

بعد انسحاب السوفيات، ظلت مخيمات حقاني على طول منطقة القبائل الباكستانية، وهو دعم وعمل في حكومة طالبان التي سيطرت عام 1996. لكن منذ الاطاحة الاميركية بطالبان صار حقاني ينظم المقاتلين لمحاربة الاميركيين. وهزمت «قواته» الجيش الباكستاني الذي ارسله مشرّف الى وزيرستان، وبسبب الضحايا التي تكبدها الجيش النظامي والتململ الذي ساد الجنود الباشتون، وافق مشرّف على اتفاقية هدنة.

حتى الآن، لا تتهم الولايات المتحدة كل جهاز الاستخبارات الباكستانية بأنه مخترق، كي لا تفقد الحكومة الباكستانية الجديدة مصداقيتها، وكانت الاصابع تشير الى دور هذه الاستخبارات بعد الانفجار الذي اصاب السفارة الهندية في كابول، وبعد سلسلة التفجيرات التي اتُهم فيها اسلاميو كشمير. ويبدو ان الحكومة الهندية، رغم خرق وقف اطلاق النار في كشمير وتبادل الرصاص مدة 13 ساعة بين الجيشين الهندي والباكستاني، تجنبت اتهام الحكومة الباكستانية مباشرة بأنها وراء كل هذه الهجمات، واتهمت عناصر في الجهاز الأمني الباكستاني.

ليس هناك من شك، بأن عناصر في هذا الجهاز تشعر بقلق من تطور العلاقات بين كابول ونيودلهي (العدوة التقليدية لاسلام آباد). هذه العلاقات ستزداد تقارباً مع الزيارة التي يقوم بها الرئيس الافغاني حامد كارزاي حالياً الى الهند لبحث مسائل امنية واقتصادية بين البلدين.

ان اكثر ما يقلق باكستان، ان تأخذ الهند مكانها في افغانستان.

ان التحكم بالاستخبارات الباكستانية مسألة صعبة ومعقدة. وليس معروفاً كيف يمكن لواشنطن ان تضغط على الحكومة الباكستانية، وما اذا كانت الأخيرة قادرة على تطهير الجهاز الأمني من عناصره المرتبطة بالجهاديين والاصوليين، خصوصاً ان المشاعر المعادية لاميركا تثور كلما شنت الطائرات الاميركية غارات على الاراضي الباكستانية. واذا كان من المتوقع حدوث تقدم من قبل ايران في قطع الطريق امام تدفق الجهاديين الى افغانستان، فان مسألة باكستان ستبرز في وجه الجنرال بترايوس. ليس هناك من استعداد لحرب اهلية ضد قبائل الباشتون، كما ان الرفض يتزايد للغارات الأحادية الأميركية داخل باكستان، وهناك تخوف من احتمال تكرار الانقسامات في الجيش الباكستاني خصوصاً من قبل الباشتون الذين تم تجنيدهم في المناطق القبلية الحدودية. وكانت محاولة الحكومة الباكستانية وضع جهاز الاستخبارات تحت قيادة مدنية باءت بالفشل الاسبوع الماضي، بسبب مقاومة الجيش لتلك الخطوة.

اذا كان العراق يتطلب خطة امنية عسكرية من الجنرال بترايوس، فان تهدئة الوضع في افغانستان يتطلب منه «براعة» في التعامل مع باكستان التي لن تقبل بنفوذ للهند يفوق نفوذها في كابول.