أين الانتصار الساحق؟

TT

لماذا لا يحرز باراك أوباما نتائج أفضل؟ لماذا، بعد كل ما حدث، لم يحقق تقدماً على منافسه جون ماكين سوى فارق ضئيل لم يتجاوز نقطتين أو ثلاثاً، وذلك طبقاً لمتوسط نتائج استطلاعات الرأي المعلنة في الفترة الأخيرة؟ وما السر وراء ضآلة الفارق بين أوباما وماكين في وقت يتقدم فيه الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الأول بفارق ضخم عن الحزب الجمهوري؟ ربما يكون لعامل السن دور في هذا الأمر، وكذلك العنصر. بيد أن استطلاعات الرأي لا تشير إلى أن المواطنين العاديين رافضون لأوباما أو معادون له، وإنما يشعرون بالقلق والحذر حياله. وربما يتمثل السبب الجذري وراء ذلك في الشعور بأن وجوده على الساحة السياسية مؤقت. جدير بالذكر أن أوباما استهل كتابه «أحلام من والدي» بالجملة المقتبسة التالية: «لأننا غرباء أمامك، وموجودون لفترة مؤقتة، مثلما كان الحال مع جميع أبائنا» ويسود لدى البعض شعور بأنه نظراً لخلفيته الفريدة من نوعها، يعيش أوباما بمعزل عن باقي البلاد، وأنه دخل إلى المؤسسات التي صعد نجمه من خلالها في إطار رحلته في الحياة، لكنه لم يشارك بها بشكل كامل قط. وعليه، يواجه الناخبون مشكلة في وضعه داخل إطار مألوف والتعرف على جذوره والقيم المغروسة بداخله.

في الأسبوع السابق، وصفت جودي كانتور من صحيفة «ذي تايمز» الأعوام الـ12 عشر التي قضاها أوباما داخل كلية الحقوق بجامعة شيكاغو بقولها: «ظل بروفسور القانون الشاب متفرداً عن المحيطين به في الكثير من النواحي». ورغم تمتعه بشعبية وشخصية كاريزمية أثناء عمله أستاذا بالجامعة، فإنه نادراً ما شارك في المحادثات والمناقشات التي عقدتها الكلية حول مستقبلها. وبينما تمتع بتفهم جيد للأفكار القانونية، لم يعبر قط عن هذه الأفكار على الورق من خلال نشر بحث علمي. وبذلك يتضح أنه كان عضوا بكلية القانون، لكنه لم يشكل قط جزءًا منها.

وتكرر هذا النمط على امتداد حياة أوباما الأشبه بالملحمة، حيث قضى طفولته في التنقل بين كنساس وإندونيسيا وهاواي وما وراءها. وبينما استوعب أوباما الكثير من الأشياء من داخل هذه الأماكن المتفرقة، فإنه لم يمثل قط جزءًا من هذه المناطق. وبينما عمل أوباما في العمل التنظيمي الاجتماعي لمدة ثلاث سنوات، ترك العمل قبل أن يكتسب فعالية حقيقية. وفي وقت لاحق، نال عضوية المجلس التشريعي في الولاية، لكنه لم يكن جزءا منه قط. ومع انه حقق بالفعل بعض الانجازات داخل المجلس، فإنه، مثلما أوضح ريان ليزا في مجلة «ذي نيويوركر»، سرعان ما شعر بالملل من المؤسسة واستغلها كمحطة للانتقال إلى مؤسسات أعلى.

وبالمثل، كان أوباما عضوا بكنيسة الثالوث المتحد للمسيح (ترينيتي يونايتد تشيرتش أوف كريست)، لكن ليس جزءًا منها ولم يبد قط إيمانه بالفكر الديني الحر الذي أثرى حياة جيرميه رايت. وكان عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي، لكن ليس جزءا منه، حيث لم يكن لديه الوقت ولا الرغبة في الانغماس بدرجة أكبر في نشاطات المجلس. ولم يتمكن من خلق معرفة حقيقية سوى بحفنة من زملائه. وداخل المجلس، تحدث عنه أنصاره الديمقراطيون بإعجاب، لكن الغموض اكتنف تعليقاتهم. وبذلك، نجد من حوله يصفونه بأنه ليبرالي، لكن ليس بصورة كاملة. ورغم معارضته في بعض الأحيان للمؤسسة السياسية في شيكاغو، فإنه يعد أحد أعضائها. وفي الوقت الذي انتقد خلال إحدى المسيرات ضد الحرب في العراق، عمد إلى إبعاد نفسه عن الكثير من النشطاء المناهضين للحرب.

وتعتبر قدرة أوباما على اتخاذ موقف منعزل على العديد من الأصعدة السبب وراء قدراته الرائعة على الملاحظة ومواهبه ككاتب ومفكر. ويعني ذلك أن الأفراد على مختلف الأطراف والجوانب من قضية ما يرون جزءًا منهم منعكساً على أوباما، إلا أن ذلك يجعل من الصعب تحديد موقفه من القضية المعنية. ومن الصعب كذلك تحديد إطار عام لشخصية أوباما. على سبيل المثال، عند استعراض الكتابين اللذين وضعهما كل من أوباما ومنافسه ماكين حول حياتهما الخاصة، نجد أنهما مختلفان بصورة جوهرية. فمن ناحية، نجد أن كتاب ماكين الذي يحمل عنوان «إيمان آبائي» عبارة عن قصة لفتى مبذر غير ناضج تعرض لمعاناة كبيرة حتى يكتشف في نهاية الأمر مكانه وسط سلسلة طويلة من آبائه المناضلين. أما كتاب أوباما «أحلام من والدي» فيعرض قصة شخص نجح في جمع الأجزاء المتفرقة المشتتة من ماضيه ليبني هوية فريدة خاصة به.

* خدمة «نيويورك تايمز»