الحرب ودور الجنرالات

TT

كتب وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس مقالة بالغة الحساسية في المجلة الفصلية التي تصدر عن الجيش الأميركي. وقد تم نشر هذه المقالة صيف 2008.

وقبيل نشر رسالته ألقى غيتس خطاباً في أكاديمية «وست بوينت» في 22 أبريل (نيسان) 2008، وكان محتوى الخطاب مشابها تماماً لما تضمنته مقالته، والتي كان عنوانها: خواطر حول القيادة.

ما هي الرسالة التي كان يحملها كل من الخطاب والمقالة؟

أولاً، أريد أن أوضح السبب وراء لفتي الانتباه إلى وجهة نظر روبرت غيتس: ففي 28 يوليو (تموز) الماضي، قرأت مقالة في الصحيفة الإسرائيلية هاآرتس كان عنوانها: «رئيس البنتاغون: الحرب على إيران ستكون كارثية». وكان كاتب المقال هو الصحفي الإسرائيلي عمير أورين. وفيها كال الانتقادات اللاذعة لوزير الدفاع الأميركي بكل صراحة، واتهم غيتس بأنه يضمر النية لشغل منصب وزير الدفاع في إدارة أوباما!

وقد قال في مقاله «إن أي بيان لغيتس يحمل أهمية خاصة، وذلك لأن باراك أوباما المرشح الديمقراطي للرئاسة ـ والذي يعارض السياسة الدفاعية والخارجية الحالية للإدارة قد أثنى على غيتس بسخاء، الأمر الذي يلمح إلى احتمالية أن يطلب منه أن يبقى بمنصبه تحت إدارته».

ومن هنا فإن ثمة سؤال يطرح نفسه وهو: ما هي وجهة نظر غيتس، وما هي رسالته الحقيقية؟ لقد وصف غيتس في كل من خطابه ومقاله العلاقة بين رؤساء الولايات المتحدة وجنرالاتها. كما ركز على الدور الذي قام به الجنرال فوكس كونر في الحرب العالمية الثانية، وفي هذا الصدد أوضح: «لقد تعلمت كثيراً بداية من كونر، ومارشال وحتى أيزنهاور بشأن القيادة وإدارة الحرب. فقد كان لكونر 3 مبادئ بشأن الحرب، والديمقراطية أوضحها لكل من إيزنهاور ومارشال. كانت هذه المبادئ: 1- لا تحارب حتى تضطر إلى ذلك، 2- لا تحارب منفرداً، 3- لا تحارب لمدة طويلة».

وبينما ركزت هاآرتس على الحقيقة الأولى منفردة، أوضح غيتس الحقائق الثلاث مجتمعة، وشرح كلا منها بحرص شديد. وبناء على حقائق كونر، أشار غيتس إلى الآتي: «إن حرباً أخرى في الشرق الأوسط، هي آخر ما نريده. وفي الحقيقة، فإني أعتقد أنها ستكون كارثية على عدد من المستويات».

أما القضية الثانية التي انتقدت الصحيفة على أساسها غيتس فكانت استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة لعام 2008؛ وهي الوثيقة التي سيتم نشرها قريباً. وفي هذه الوثيقة، حذف غيتس إسرائيل من قائمة الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة.

ولم تنشر الولايات المتحدة استراتيجية الأمن الجديدة الخاصة بها حتى الآن، ولكن من المعروف أن آخر استراتيجية للأمن قد وقع عليها الرئيس بوش كانت في 17 سبتمبر 2002، وهي الاستراتيجية التي أخفقت تماماً. ويبدو أن غيتس قد أعد وثيقة أخرى بناء على هذه الإخفاقات المتكررة.

إن موطن ضعف الوثيقة الأخيرة التي أعدها وزير الدفاع الأميركي السابق «دونالد رامسفيلد» في 2002، هي أن هذه الوثيقة قامت على قوة الولايات المتحدة الأميركية. فقد ظن أنه بالعصا السحرية للقوة يمكنه هو ورئيسه أن يحلا جميع المشكلات. إلا أن قوة الحقيقة هي التي أدت في النهاية إلى صرفه من منصبه.

لقد بدأت أول جملة لاستراتيجية الأمن القومي التي صاغها رامسفيلد بهذه الكلمات: «تمتلك الولايات المتحدة قوة ونفوذا لم يسبق لهما مثيل، ولا يضاهيها شيء في العالم».

وقد قرأنا تلك الرغبة التي لا يمكن لنا أن ننساها: «إن هدف هذه الاستراتيجية المساعدة في جعل هذا العالم ليس فقط آمناً، ولكن أفضل.. ولتحقيق هذه الأهداف، فستناصر الولايات المتحدة طموح الكرامة البشرية».

وبعد مضي 6 سنوات، من السهل علينا أن نحكم على هذا الزعم، فمن منا يرى بأن هذا العالم يعتبر بالمكان الآمن والأفضل فيما بين 2002-2003؟

وحسبما ورد في الوثيقة، فإن إدارة بوش توهمت بأنه يمكنها التوجيه والسيطرة على الحرب ضد الإرهاب المزعوم. ففي الفصل الثالث يمكننا أن نقرأ: «لقد بدأ النزاع بتوقيت وبنود الآخرين، لكنه سينتهي بالطريقة والساعة التي سنختارها». وهذا، ما اتضح فعلاً بأن إدارة بوش يمكنها السيطرة على الحرب.

أما النقطة المهمة الأخرى بالوثيقة، فهي الحكم الذي أصدرته الإدارة على قضية أسلحة الدمار الشامل الخاصة بالنظام العراقي: «تلقينا دليلاً لا يُدحض بأن التصميمات العراقية ليست مقصورة على الأسلحة الكيميائية التي استخدمها ضد إيران وشعبها، ولكنها تمتد إلى الحصول على الأسلحة النووية والبيولوجية».

وفي معرض مقاله، انتقد غيتس هذا الدليل الذي لا يُدحض! وقبل بفكرة أن معلومة الأسلحة النووية العراقية لم تكن إلا زيفاً.

وبعد 6 أعوام من نشر استراتيجية الأمن القومي الأميركية، فليس العالم وحده الذي لم يعد آمناً، بل والولايات المتحدة نفسها. وبعد 6 سنوات من الحرب بين أميركا و«القاعدة»، مازالت القاعدة نشطة وتحارب أميركا. أما الأوضاع في أفغانستان والعراق فليست سيئة وحدها، بل حتى باكستان تشهد كارثة ومحنة شديدة.

وبموجب هذا الوضع المعقد، أوضح لنا الجنرال روبرت غيتس كيف لعب كونر دوراً هاماً في تاريخ الحرب العالمية الثانية.

لقد بُنيت استراتيجية الأمن القومي الأخيرة على القوة والحرب، أما تلك الجديدة فيبدو أنها سترتكز على الحقيقة وإنجازات الـ6 سنوات الأخيرة.

ويمكن لروبرت غيتس أن يلعب دوراً فريدا في الشهور المقبلة. وأعتقد أن الرسالة الأساسية التي حملها خطابه في وست بوينت، ومقالته تعتبر قوية للغاية. فهو ضد حرب جديدة في الشرق الأوسط، كما يظن أنه مثل فوكس كونر الذي يؤمن بحقيقة: «لا تحارب إذا لم تكن في حاجة إلى ذلك».