ثلاثة سلامات

TT

لو لم اكن فوزية لتمنيت هذا اليوم بالتحديد ان اكون فوزية. كيف ولماذا؟ تلك هي المسألة.

امضيت عدة ايام محرومة من الكمبيوتر الذي اصيب بنزلة فيروسية من النوع الثقيل بسبب فيروس اختبأ في رسالة انترنتية. ولكن من حسن طالعي ان لي زوجا متبحرا في التكنولوجيا الحديثة فتمكن من تنظيف الجهاز واعادة برمجته بحيث اصبح عال العال. وصبح الصباح واوصلت ما انقطع ما بيني وبين العالم الخارجي عبر الكمبيوتر. فماذا وجدت؟

أول رسالة حملت الي شعرا من فلسطين من شاعرة اسمها صفاء حجازي عمرها 21 عاما تدعوني لزيارة مدونتها وتقول:

كم يا بلادي

تمنيت اني على الارض احتضن الروح فيك

واسكن حفنة من تراب

فلا تحسبي الدمع فينا سينسى

ومهما نأينا

فما للقلب عنك اغتراب.

كلمات عذبة شحنتني بطاقة متجددة وحماس تحاربه كثرة الانشغال والالتزامات والمسؤوليات. كان يمكن الا اتوقف عند هذا الحدث وانساه فور الانتهاء من قراءة الشعر. ولكن الحدث فرض نفسه على وجداني واشتبك مع حدث آخر سبب لي كدرا شديدا وهو ما انتشر اعلاميا عن السلطات الاسرائيلية وهي تساوم مرضى السرطان في غزة على ان يكون ثمن التداوي هو التجسس والتعاون مع سلطات الاحتلال ما ظل معبر رفح مغلقا والشفاء على الجانب المصري بعيد المنال.

أرسل لصاحبة الشعر سلاما.

اما السلام الثاني فهو للشاعر الشاب تميم البرغوثي. تميم فلسطيني الاب مصري الام، ثمرة زواج اثنين من مثقفي جيلي المؤمنين بقضايا الوطن الكبير. لم اكن التقيت تميم الا على الورق. فقد اشتريت نسخة من ديوان شعر يحمل اسمه. وحملت ذاكرتي بيتا واحدا يقول: سألوني بتحب مصر قلت موش عارف.

وربما تذكرت هذا الكلام لأنني احب مصر مهما شاخت ومهما تعبت ومهما تغيرت عليها الازمنة وأعيش أملا كبيرا بأن النهضة ليست مستحيلة. ثم التقيت تميم منذ أيام على الشاشة الصغيرة في برنامج اذاعته فضائية مشهورة وسمعته يقول ان لبنان الذي يراه الناس على الفضائيات وكأنه يعيش عرض ازياء مستمرا ليس هو لبنان الحقيقي. فلبنان هو ايضا أرض الشهداء، طارد العدو، الذي يسع مدنه الجينز والتي- شيرت كما يتسع للابسات العباءة والخمار, مثله كمثل مصر الفضائيات التي تبدو وكأنها تعيش حفلا من الطبل والزمر المستمر، بينما مصر الحقيقية هي مصر شباب مبدع ينتظر فرصة، وشباب مفكر يؤمن بالمستقبل ويناضل من اجل الحرية والكرامة في الشوارع وفي الجامعات.

وسلام ثالث لاعلامية سعودية شابة اسمها هيفاء خالد تناضل بحزم واصرار، وتظل شديدة الرقة، وهي تسعى لتعديل قانون الاحوال الشخصية بما يحمي حقوق المطلقات وفقا لشريعة الاسلام. رسالة الصباح من هيفاء التي لا تكل ولا تمل تشكر كل من يهتم بالمبادرة، وتعبر عن امل كبير في مستقبل خال من ظلم النساء. فسلام عليك وعلى امثالك يا هيفاء.

حتى يوم امس كنت احارب احساسا دفينا بأن قطار العمر يمضي بسرعة مذهلة وانني قد اصل الى نهاية الرحلة، بينما تظل احلامي معلقة بأن يتحقق العدل وان ترتد للوطن كرامته وان ينقشع ضباب المفسدين الطامعين. ولكن رسائل الصباح اعادت الي اليقين بأن الحياة تصل بشباب هؤلاء ما تبقى من رحلتي.

ثلاثة سلامات اتمنى ان تصلهم عبر المسافات.