«الصن» تشرق في نيويورك

TT

يملك رجل واحد أكبر وأهم الصحف والإذاعات والمحطات التلفزيونية في الولايات المتحدة وبريطانيا. وبما أننا في عصر الإنترنت والتلفزيون الفضائي، فهذا يعني أنه صاحب التأثير الإعلامي الأوسع، وربما الأعمق، في العالم، وربما أيضا في التاريخ. والمشكلة ليست في الاحتكار، فهذا زمن تبدو فيه البلايين مثل بالونات العيد، المشكلة في المحتكر.

بعدما ضم روبرت ميردوك «التايمس» اللندنية وتاريخها إلى جرابه، اشترى العام الماضي الـ«وول ستريت جورنال» لكي ينافس بها الـ«نيويورك تايمس». وكما حول «التايمس» إلى تابلويد مثل «الصن»، وحول «فوكس» إلى تابلويد تلفزيوني سيئ الأسلوب والأثر، قد يجعل الآن من الصحافة النيويوركية صحافة السطحيات والإثارة وانتفاء القيم والضوابط.

ليست المشكلة في أن أهم مجموعة من صحف العالم أصبحت في قبضة كاوبوي أوسترالي بل في أن الصحف الأخرى تحذو حذوه. فمن أجل البقاء في مناخ المنافسة الحالي، راحت صحف بريطانيا وأميركا تقلده. وحتى صحف فرنسا أيضا، التي بان عليها التعب. وفي الماضي كان الفرنسي يشتري «الموند» لكي يقرأ فيها أعمق عرض ممكن للقضايا الخارجية والسياسة المحلية. وكان مقال افتتاحي فيها يمكن أن يمنع النوم عن شارل ديغول أو فرنسوا ميتران. ولا أدري ما هو الشعور الذي انتابني عندما رأيت العنوان الرئيسي في صدر الأولى يقول: «القروض السكنية تصبح أكثر صعوبة» هل هذه جريدة فرنسا أم النشرة العقارية في وزارة الاقتصاد؟ إنه المستر ميردوك يبسط ثقافته الصحافية عبر بحر الشمال؟

لقد قضى روبرت ميردوك دون شك على عصر الصحافة الحقيقية.

وتحولت التحقيقات الكبرى في الـ«صنداي تايمس» إلى تحقيقات بوليسية واعتداءات على خصوصيات الناس.

قبل ميردوك كانت الصحافة الغربية تؤرخ بعمالقتها وروادها وحاملي القضايا الكبرى. وكانت قضايا مثل الحرب العالمية تبحث بين الرؤساء والصحافيين. ثم جاء ميردوك. وهذا لا يعني أنه لم يسبقه أحد. لكن المأساة أنه جاء ونجح وبقي وغيّر في صيغة وأخلاقيات الصحافة، في معاملتها الكبرى. وإذا هزمت «التايمس» في نيويورك بعد «التايمس» في لندن تكون قرون من الصحافة الكبرى قد سقطت في مستنقعات للتماسيح الأوسترالية.