بمناسبة شهر الثورات

TT

اتصلت بي الدكتورة سانحة امين زكي، احدى رائدات تحرر المرأة وأول فتاة درست الطب في العراق. قالت يا خالد هذه ذكرى ثورة 14 تموز. اكتب بالمناسبة وقل الحقيقة للعراقيين. قل الحقيقة انها كانت اكبر غلطة ارتكبوها. قلت لها فاتت الفرصة ولكنني لن انساها في المرة المقبلة. يعني ذلك مرور سنة. اسيبقيني الله كل هذه المدة وكل اصحابي يتساقطون مثل اوراق الخريف؟

بيد انني حضرت عدة اجتماعات نظمها الشيوعيون وانصارهم في المناسبة بلندن وتغنوا جميعا بذكرى الثورة. حاولت ان اتكلم في احدها ولم يعطوني الفرصة. ولكنني في اجتماع آخر نظمه الملتقى العربي لم يقمعني الزملاء المصريون هناك فقلت الحقيقة. وهي ان ثورة 14 تموز وكل الثورات بما فيها الثورة الفرنسية والثورة البلشفية كانت خطأ دفع ثمنه ملايين الابرياء بأرواحهم. اول هؤلاء الضحايا البريئة كان ذلك الوطني الغيور والزعيم الشريف الوحيد الذي عرفه العراق المعاصر، عبد الكريم قاسم الذي جاد بحياته ثمنا لايمانه بالثورة.

في ذلك الشهر، شهر تموز الثورات، نشر تقرير عن الاقتصاد العالمي اظهر ان سلطنة عمان كانت الدولة العربية الوحيدة من بين 19 دولة في العالم حققت تنمية مستديمة متواصلة. كيف حققت ذلك؟ حققته بنجاحها في رد الثورة وتحاشي الاضطرابات والعمليات الارهابية وضمان الاستقرار المستديم والتطور السياسي والاجتماعي التدرجي الحثيث.

المثل يقول: «الكريم يكرم من جيبه». وعلى هذا النسق نقول ان الدولة تنفق مما تكسب. هذه الحكمة الاقتصادية العليا لا يفهمها الثوريون. وهذا سر فشل التجربة الشيوعية في اوربا الشرقية. تقول الماركسية ان الاقتصاد هو كل شيء. ولكن الشيوعيين لم يفهموا ان صفحة الميزانية هي اساس الاقتصاد. ودفعوا ثمن تجاهلهم وتزويرهم لها. السلطان قابوس لم يقع في هذا الخطأ فحقق لبلاده هذه التنمية المستديمة.

امامنا سنة حتى الذكرى المقبلة لثورة 14 تموز. على الحزب الشيوعي في العراق ان يعيد النظر في حساباته. ويعطي النقد الذاتي مصداقيته فيقول ان الثورة وكل ثورة عمل طائش وخطأ مكلف. لعله بهذا يكسب مصداقية الناس ويستعيد ثقتهم بنهجه. التنمية والتطور السليم والاصلاح السياسي والاجتماعي يتم تدريجيا عبر مراحل حثيثة مبرمجة ومرسومة بحذر وفي حدود مدخول الدولة وما تكسبه وتوفره. وعلى الاحزاب والمنظمات السياسية ان تثقف الجمهور بهذا وبأهمية الشرعية واحترام القانون ونبذ العنف والارهاب وبالنضال من اجل التصحيح والاصلاح وحماية حقوق الانسان وحرية الفكر بأساليب الجهاد المدني، العمل اللاعنفي، لتستمر ماكنة الدولة بالعمل والتنمية وتوفير الاموال اللازمة للإصلاحات المكلفة في إطار الاستقرار والسلم المستديم. القيمة الاساسية الوحيدة التي تمخضت عن ثورة 14 تموز هي انها كشفت للعراقيين وكل العرب الآن ان الثورة عمل سقيم سرعان ما تتبعه ندامة الثوار. وبهذا الاكتشاف وما تكشف من نتائج في اوربا الشرقية يكون عصر الثورات قد انتهى غير مأسوف عليه.

www.kishtainiat.blogspot.com