لبنان: شعب كله سيزيف!

TT

أنا من أشد الناس إعجابا بشعب لبنان رغم الأهوال والموت والدمار والخراب. فالشعب اللبناني يعيش في أناقة والنساء في غاية الجمال. ولم يتوقف البيع والشراء. وكنا نندهش عندما نرى اللبنانيين القادمين إلى القاهرة: الرجال في غاية الشياكة والشهية مفتوحة على المال والأعمال. أما بنات لبنان فعلى كل الشاشات: جمال وأناقة وكفاءة. أما مطربات لبنان ففي كل أذن. الأصوات جميلة والألحان بديعة. وآخر من سمعت وأمتعني وأسعدني صوتها: يارا.. ما هذا الصوت الرخيم الشجي. إذا غنت باللهجة اللبنانية فهي الجمال والمتعة. وإذا غنت باللهجة المصرية وإذا غنت بلهجة الخليج..

سألت أهل الذكر: كيف أخرج لنا لبنان هذه الحناجر الذهبية. ومن أين جاءوا.. أين تدربوا. ثم من هؤلاء الملحنون.. وما هذه الموهبة الفريدة في الموسيقى الهادئة الناعمة الحالمة..

ولا أدعي أنني سمعت كل الأصوات ولكن الذي أسمعه وأتابعه راحة للأذن والعين. وأذكر أنني أيام حروب لبنان التي أوجعت قلوبنا على لبنان الجميل لم تستطع الحرب أن تقهر الشعب ولا أن تصيبه بخيبة الأمل واليأس.. وإنما كان الشعب اللبناني أقوى من الظروف؛ فإذا انهدم بيت أقاموه، وإذا تحطم زجاج أعادوه.

فاللبناني هو (سيزيف) العصر الحديث.. فسيزيف الإغريقي حكمت عليه الآلهة أن يتعذب بلا رحمة إلى الأبد.. وذلك بأن يدفع أمامه حجرا إلى أعلى الجبل.. فلا يكاد يصل إلى القمة حتى ينحدر إلى السفح فيذهب إليه سيزيف ويرفعه من جديد وإلى الأبد. ورغم أن سيزيف يعرف أنه لا أمل ولا حمل.. وإنما كان يفعل ذلك بمتعة كأنما أراد أن يغيظ الآلهة.. كأنما أراد أن يقول إنه الأقوى وإن إرادة الآلهة لم تحطم إرادته..

وكذلك شعب لبنان حطمت الحرب بيوته وشوارعه ومحلاته التجارية ولكن إرادة سيزيف اللبناني أقوى من إرادة مارس آلهة الحروب والدمار!