لماذا نتهامس؟

TT

في مؤتمر للكتّاب عُقد أخيرا في ساوث كاليفورنيا تحدثت كاتبة سيناريو زميلة لي في أنها تأمل في نجاح باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد صفق لها عدد من الحاضرين، وعندما جاء دوري للحديث قلت إنني أختلف معها في آرائها السياسية وانتقلت للحديث في مواضيع أخرى ولم أتلق ذلك التشجيع الذي لقيته زميلتي، ولكن عددا من الكتاب الذين حضروا أتوا إلي عقب اللقاء يتحدثون بصوت خفيض خشية ألا يسمعهم أحد وحيوني قائلين «نشكرك على ما قلته».

والسؤال الذي يشغل أذهان المحافظين من الكتّاب وأهل الفن ما هو السبب وراء همسنا؟ صحيح أن مجتمع هوليود يشهد خلال الاجتماعات التحضيرية للأفلام جوا من الحرية ينعم به المخرجون والمنتجون والممثلون بخصوص نقد السياسة الأمريكية والرئيس بوش وسوء سياسة الخارجية الأميركية ومدى شناعة المحافظين.

لكن ثمار وجود اليسار الجريء واليمين المرتعد في عالم الفن واضحة على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، ولا تقتصر فقط على مهاجمة سياسة الحرب على الإرهاب أو ذلة جو مكارثي أو تمجيد الشيوعيين القتلة من أمثال تشي جيفارا، فتلك مشاريع تافهة لا قيمة لها تتناول اليسار وتقدمه لليساريين، لكن الشيء الأكثر خطورة وتدميرا على مجتمعنا تلك الآراء اليسارية التي تشكل الغالبية العظمى من عروض التلفاز أو الأفلام.

وربما يكون من الواضح أن القيم المحافظة عادة ما تكون مختفية في العالم الخيالي كما هو الحال في فيلم «ملك الخواتم» و«ذا كرونيكل أو نارينا» أو الجزء الثالث من «الرجل العنكبوت» لكن ذلك يثير السؤال مرة أخرى «لماذا يتهامس المحافظون عندما يصيح اليساريون؟»

ولكي نكون متأكدين هناك أجوبة عملية شخصية ومهنية فاليسار المبدع يرفض الأجنحة اليمينية ذوي العقول الهمجية الضيقة، فربما لا تكون هناك قائمة سوداء لكن هناك قائمة رمادية تجعل من الصعب كثيرا بالنسبة للمحافظين الحصول على عمل أو إثارة فكرة عمل ما. وعندما تقدم أفلام تتحدى اليساريين كـ«آلام المسيح» أو «ليس من دون ابنتي» أو «دموع الشمس» فدائما ما تهاجم تلك الأفلام من قبل النقاد اليساريين في مقالاتهم التي غالبا ما تحمل هجوما شخصيا على صانعي الفيلم ونجومه.

من الذي يستطيع أن يلقي اللوم على الفنانين لرغبتهم في الهروب من الانتقادات، لكني أعتقد أن هناك سببا أعمق وأكثر إثارة للمشكلات بالنسبة لصمت المحافظين لقد نجح اليسار في إقناع البقية الباقية منا بفضيلة ثقافة الكذب وأن بعض الحقائق لا يجب النطق بها وإن فعلت فستتهم بالعنصرية أو حب الجنس أو الأنواع الأخرى من التعصب الأعمى، وربما لا يوافق اليمينيون من الناحية الفلسفية على هذا النوع من الحذر السياسي ولكن أعتقد أنهم رضخوا وتقبلوا نفسيا بعض القيم الملتوية ومشوا في ظل الركب خشية أن يبدوا وكأنهم معادين أو عديمي الحس أو الإدراك. ومن ثم تبنوا اتجاها تعد فيه الحقيقة شيء غير أخلاقي والتشويه أصبح فضيلة سياسية فيجب ألا يبدو خطر التعصب الإسلامي دون رسم بعض القيم الغربية كما هو الحال في فيلم «المملكة» و«الرجل الحديدي». ويجب ألا يبرز حب الرجال للتقدم في وظائفهم أو رغبة الكثير من النساء في المكوث بالمنزل على العمل أو محاربة الفقر والعنف ومعدلات الانتحار، بل يصبح الجنس والعلاقات المحرمة أمرا رومانسيا وهزليا وعندما أثيرت تلك الموضوعات علنا يقول البعض إن كل ما في هوليود من أجل المال إنهم يصنعون ما يجلب المال إلا أن ذلك القول هو نصف الحقيقة فقط فالفنانون يحبون المدح والثناء والاحترام الذي يمثله المال ويتواجد أيضا في المقالات النقدية والجوائز والدعاية التي تشجع اليساريين على تخريب المجتمع أكثر فأكثر. ولن يمكن للمحافظين من الفنانين الحرب في معركة دولة الأسرار والصمت هذه بل يجب أن يبدعوا بشجاعة وصراحة وأمانة وهذه هي أدوات المحافظين والفن والتي بها نستطيع استعادة ثقافتنا.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الأوسط»