الآلوسي.. الدار بعد ولدَيه!

TT

ينذر تفجير دار نائب البرلمان مثال الآلوسي (21 تموز 2008)، الكائن بحي الجامعة من جهة الكرخ، بفداحة المساس بقداسة العزل الطائفي لبغداد، في أذهان الطائفيين. ذلك ما يُسهل زج الأتباع في أتونها. فعبر خطب الجُمع بالمساجد، والمجالس الحُسينية، تذاع وقائع التاريخ وملفقاته، على حد سواء، تلك التي تهيئ العواطف إلى الأحزمة الناسفة. وما كان محصوراً حول المنبر، ويسمعه عشرة أو مئة، أمسى يُبث عبر الفضائيات! هذه هي الأجواء التي بظلها فُجرت دار الآلوسي، ويهلك الخَلق بها.

تبنى مثال الآلوسي مبادرة عودة المهجرين طائفياً إلى دورهم عبر احتفال جماهيري، حتى تطمأن النفوس، وكل يعرف داره وجاره، ويسلم الشيعي، الذي ظل بمنزله بعد تهجير جاره السُنِّي، المفاتيح لجاره، وكذلك يُسلم السُنِّي الأمانة. وما الاحتفال جماهيراً بالعودة إلا رسالة إلى الرأي العام مفادها: إن التهجير الطائفي مسؤولية عصابات، بريئة من مروءة المواطنة وأُصول الجيرة.

ولا يعني عزل بغداد إلى أحياء شيعية وأخرى سُنِّية سوى محوها من على خوارط الجغرافيا وذاكرة التاريخ، وهو المشروع الضامن لمسخ الديمقراطية، أو ما يسمح بتشكيل إمارات إسلامية بحد السَّيف، هذا ما يمارسه أصحاب النجدين، وكانت الحصيلة تلولاً من الضحايا. لا تنسجم آمال الطائفيين بمكان مع شخص كالآلوسي، لا يمتلك سوى ما عبر عنوان حزبه: «الأمة العراقية». وأراه المفهوم الوحيد الساقط من ألسنة سياسيين، من دون تقدير خطورة ثقب السفينة، التي تحمل أهل العراق، وسط تلاطم الأمواج.

قبل ثلاث سنوات (8 شباط 2005) خَسر مثال الآلوسي ولديه: أيمن وجمال، وقال، وهو يقف أمام جنازتيهما، والأصدق ما يُقال عند الشجن: «العراق يستاهل أكثر». قالوا وقتها عقوبة له لزيارة إسرائيل (2004)، والرجل لم تكن له صفة رسمية آنذاك، أحرام عليه أن يؤمن بالسلام طريقاً، ويحضر مؤتمراً لا رسمياً مكرساً ضد الإرهاب!؟ أقول: ما قيمة زيارة الآلوسي إزاء دول تعلن الحرب على إسرائيل، بكرة وعشية، ومع ذلك تسلحت، في ظروف دولية، بسلاحها، وأحزاب قفزت إلى السلطة بدعمها وأمريكا. وأخذت قوى جعلت إزالة إسرائيل قدس أقداسها تتجاذب وتتفاوض.

يتفاوض الفلسطينون، الذين يشتم قوميوهم وإسلاميوهم العراق ويحرضون ضده، مع إسرائيل مباشرة! ومن قَبل رموا ببيان الاحتجاج ضد إبادات جماعية، من مستوى الأنفال وحلبجة، بوجوه مَنْ طلبوا تضامنهم، في وقت كانت أمريكا مع دولة البعث لا ضدها ! بل أخذ بعضهم يحرض ويثلب دولة الإمارات العربية المتحدة لمبادرتها في استقبال رئيس الوزراء وإسقاط الديون، معترضاً لماذا لم تقدمها دولة الإمارات لدولة البعث! وكأن المالكي هو الذي احتل الكويت، وهدد بقية الخليج، لا ذلك النظام! ومَنْ وقف إلى جانب ذلك الاحتلال (القومي) حسب تجميله من قبل تلك الأقلام والألسن!

لم تكن شاذة، لا زيارة الآلوسي، ولا مصافحة الرئيس جلال الطالباني في مؤتمر الاشتراكية الدولية، ولا التفاتة رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي لمسؤول إسرائيلي في مؤتمر عالمي، على مألوف هذه الأيام، لكنها من المؤكد خارج مألوف الشعارات، التي هلك فيها العراق، ولقسوتها لم يعُدْ مواطنه يفاضل بين استقلال واحتلال. أعلن بعصابية تلك الشعارات مَنْ أعلن مِنْ الكتاب القوميين سروره بقتل ولديّ الآلوسي، وفصح عن شماتته عقب كل تفجير، حتى ظهر التضامن مع قتلة الأطفال ومفجري الأسواق جلياً على أنها مقاومة.

أرى العراقيين أضعف مِنْ أن يحلوا قضيةً، باتت متكأً وماكنة لتفريخ الزعامات، بحجم قضية فلسطين. لم تبق في عروقهم دماء للتضحية تحت تلك الشعارات، وهم يعلمون أن القومانية انتزعت جلودهم باسمها! فما بالك أن قتلةً من مستوى الزرقاوي صاروا أبطال الأمة، والذابين عنها بذبح بقال و حلاق! لهذا لم يتأخر ضحايا تلك الشعارات، من الطائفتين، عن انتخاب الآلوسي عضواً في البرلمان، وكأنه تضامن بقتل ولديه. لقد جعل خطابُه الكربلائيين والحليين والنجفيين ينتخبون سُنِّياً، تحدياً للفتاوى الطائفية، وتشرفاً بمدلول الأمة العراقية، فهي الحامية لكثافة ظلها، لا القرية، ولا العشيرة، ولا المذهب، ولا القومية.

يجدر التذكير بأن قتل ولدَي الآلوسي وهدم داره، ممارسة مسبوقة: قُتل ولدَي مدير شرطة النجف غالب الجزائري، برصاص الذين أدعوا محاربة أمريكا من النجف، ومن قبل وبسبب التعرض للذات (المقدسة) جرى على الضابط الشجاع عمر الهزاع، ثم قُتل وهدمت داره! أدعى القتلة جميعاً تلاوة: «ولا تَزرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى». أجيبونا: مِنْ أين أتيتم بشرع قتل الأبناء بالآباء، وبفتاوى التمترس؟!

[email protected]