مقاطعة الرمز الجميل

TT

كان فلاديمير بوتين ضابط مخابرات في المانيا الشرقية، عندما كان الكسندر سولجنستين اشهر معارض روسي يعيش منفيا في أميركا. وعندما سجي جثمان الكاتب الروسي في قاعة اكاديمية العلوم لكي يلقي عليه التحية الاخيرة ألوف الروس، كان اشهر الذين أدوا التحية فلاديمير بوتين. اما رئيس الجمهورية ديمتري ميدفيديف فقد ذهب الى المدفن وانحنى امام النعش.

أدباء الروس رموز، لا موضع خلاف. عظماؤهم اختلفوا مع الدولة (تولستوي، تشيكوف، دوستويفسكي) لكن الدولة، على اختلاف متغيراتها، عاملت تراثهم على انه الجزء الاهم من مجد روسيا. فالمارشال جوكوف، بطل ستالينغراد، لا يذكر كل يوم ولا يقرأ في انحاء الارض، لكن العالم اجمع لم يعط بعد روائيا في حجم دوستويفسكي. الرموز لا يختلف عليها ولو اختلف معها. عندما سئل ديغول عن احب الشعراء اليه قال، دعوا هؤلاء العباقرة في رقادهم الجميل ولا تميزوا بينهم. انهم باقة المجد الفرنسي.

كنا نتمنى ان نرى اسماعيل هنية مشاركا في تشييع شاعر فلسطين. شاعر أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين. او كان من الممكن اقامة مجلس عزاء في غزة للآلاف الذين ارادوا القاء التحية الاخيرة على الرجل الذي ولد قبل حماس ولم يولد من رحم فتح، بل ولد فقط من رحم فلسطين.

وقد كان مؤسفا وغريبا ان يتخذ البعض هذا البرود من هذا الانسان الذي نفخ الحرارة في قلوب الفلسطينيين وحرك فيها الأمل وغمرها بالحب والعزاء.

كان مشهد بوتين منحنيا امام سولجنستين مشرفا له ولروسيا وليس للجثمان. الشعوب الحقيقية بترفعها لا بالمشاعر الصغيرة. حاول السودان ان يستنكر الطيب صالح ثم اكتشف ان من دونه سيعرى شجر النيل من أوراقه فتراجع. وقد تعجبت كثيرا عندما اكتشفت ان الشيخ عايض القرني يحفظ الكثير من شعر نزار، وسألته في ذلك فقال: «لقد تعرض نزار للبادية وتعرض لنا ولنا عليه مآخذ لا تحصى، لكن ليس بينها انه ليس شاعرا كبيرا».

كان الأحرى ألا تحرم غزة، بقرار او واقع، من وداع اجمل رمز فلسطيني في قلوب اهله وعيون العالم.