بعد رحلة متعبة نوعا ما وصلت في طريقي ليلاً إلى بلدة، وقررت أن أبيت تلك الليلة في أحد الفنادق، و(الصباح رباح) مثلما يقولون، وبعدها أتابع سيري.
أوقفت سيارتي في الخارج، وطلبت من الموظف المسؤول غرفة بعيدة عن الطريق العام لأنني أنشد الهدوء، وزدت على ذلك قائلاً: أريد غرفة ساكنة (سكون الموتى).
وفعلاً صعد معي إلى الطابق الثاني وسلمني مفتاح الغرفة قائلاً: تصبح على خير.
ونمت في تلك الليلة نوماً عميقاً مريحاً لم يمر عليّ منذ زمن بعيد، وعندما استيقظت في الصباح الباكر كنت في قمة انشراحي، وقبل أن أغسل وجهي توجهت للستائر وأزحتها، ثم فتحت النافذة على مصراعيها لاستنشق الهواء العليل ملء صدري.
وفجأة تراجعت للخلف من هول ما رأيت، إذ أن الغرفة كانت تطل على مقبرة، وأخذت أسأل نفسي وافرك عيوني وأردد: هل أنا في حلم أم في علم؟!
البارحة أطلب غرفة لها سكون الموتى، واليوم استيقظ على قبور موتى(!)، ما هذه المفارقة؟!، ما هذا الحظ؟!، هل هذا يدل دلالة قاطعة على دنو أجلي؟! .. احتمال.
غسلت وجهي سريعاً، وارتديت ملابسي أسرع وأسرع، وحاسبت الفندق من دون أن أتناول فطوري، وانطلقت بسيارتي بأقصى سرعتها وكأنني أسابق الموت، ومن شدّة خوفي نسيت أن أعبئ خزان (تانكي) السيارة، فانقطعت في منتصف الطريق من (البنزين).
***
قال لي: هل تعلم أنني تعلمت درساً من ابني الصغير لن أنساه؟!، سألته ما هو ذلك الدرس؟!، قال: علينا أن نحتاط في اختيار الكلمات والجمل المناسبة معهم.
فابني ما فتئ (ينشب في حلقي) ويطلب مني أن اشتري له دراجة، وكنت في كل مرة أقول له: ليس لدي مال كاف لكي اشتريها لك، فأبوك لا يسرق.
وبعد فترة استطعت أن أوفر أو اقتطع من راتبي واشتريت له الدراجة، وفرح بها جداً، وفي أحد الأيام بينما كان يلهو بها أمام منزلي في الشارع، شاهده جارنا وقال له: هل اشترى لك أبوك هذه الدراجة؟!، فقال له ابني بكل براءة: نعم لقد سرق مالاً ودفعه ثمنا لها.
فقلت له: تستاهل يا لص.
***
قال لي طبيب نفساني: دخلت عليّ في عيادتي يوماً امرأة شابة وقالت: إنني لم أعد أحب زوجي أو اشعر بأي شيء نحوه، فأجبتها: ولكن تصرفي كما لو كنت تحبينه، فالمهم هو ما تفعلينه، لا ما تشعرين به، وإذا ما استطعت معاملته بالعطف والتفهم، فربما أنقذت زواجكما.
فسألت الطبيب: ألا يعتبر كلامك هذا خداعاً؟!، قال: لا، انه محاولة لتجسيد وضع نرجوه.
لا ادري لماذا أنا طوال حياتي حتى الآن لست مقتنعاً بالأطباء النفسانيين؟!، هناك احتمال إنني مريض واحتاج إلى بعض الجلسات العلاجية وأنا لا أعلم، وقد سمعت أن بعض المرضى الخطرين يسحبونهم للعلاج قسراً.. وهذا هو ما أخاف منه يوماً عن قريب.