الأردن.. المواقف ثابتة ولا استبدال لعباس بـ «حماس»

TT

اللقاءات الأخيرة بين مدير المخابرات الأردنية الفريق محمد الذهبي وبين عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» محمد نزال جرى تضخيمها أكثر من اللزوم وأعطيت أبعاداً سياسية أكثر من أبعادها الحقيقية وذلك رغم ان الأعوام الثمانية الماضية شهدت مثل هذه اللقاءات وبين هذين المسؤولين نفسيهما والفرق ان لقاءات الماضي كانت بدون إعلان ولا إعلام رغم أنها كانت معروفة ولم تُحط بالسرية التامة بينما هذه اللقاءات الأخيرة وضعت قيد التداول في الصحافة والوسائل الإعلامية وحرص الإخوان المسلمون «الأردنيون» على التحدث عنها كأنها جاءت كعملية تسلل في الملعب الأردني وإنقلاب على مواقف الأردن إزاء المعادلة الإقليمية والقضية الفلسطينية.

وهنا فإن ما هو ضروري ذكره والإشارة إليه هو أنه لم يصدر عن الجانب الأردني أي شيء رسمي، لا تلميحاً ولا تصريحاً، وأن الأردن التزم ولايزال يلتزم الصَّمت إزاء لقاءات جرت في السابق أكثر من مرة ومع عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» محمد نزال هذا نفسه وهذا معناه ان فهم الأردنيين لهذه اللقاءات التي انحصرت في الجهات والجوانب الأمنية ولم تلامس القضايا السياسية الرسمية على الإطلاق يختلف عن فهم هذه الحركة التي تسابق قادتها على الإدلاء بالتصريحات المتفائلة جداً والذهاب الى حد القول ان ما جرى قد أزال عزلتهم وأن مرحلة جديدة ستدخلها القضية الفلسطينية من الآن فصاعداً.

وحقيقة ان من يعرف الأردن، حق المعرفة، ما كان يجب ان تفاجئه هذه اللقاءات. فالمخابرات الأردنية المشهود لها بالكفاءة والمهنية وبالتفوق أيضاً بقيت تحرص على ان تكون لها خيوط مع التنظيمات الفلسطينية كلها، المنضوية في إطار منظمة التحرير والتي خارج هذا الإطار، حتى بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كانت في يومٍ من الأيام أكثر هذه التنظيمات تطرفاً وحتى بما في ذلك التنظيمات المحسوبة على أنظمة عربية ناصبت هذا البلد العداء وقامت بمحاولات متكررة كثيرة لإضعافه وحتى لإسقاط نظامه.

والمهم ان «تقييم» هذه اللقاءات يجب ألا يتم وفقاً للتحليلات والتقديرات التي أسقطت رغبات أصحابها ورغبات «أصحاب» أصحابها على هذا الحدث العادي جداً الذي جرى النفخ فيه أكثر من اللزوم فالأردن قبل هذه اللقاءات المذكورة وبعدها لايزال عند مواقفه وثوابته السابقة:

أولاً، إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فهذا ثابت من ثوابت السياسة الأردنية وبخاصة أن العرب كلهم، حتى بما في ذلك سوريا لم يتراجعوا عن قرار قمة الرباط عام 1974 المتعلق بهذا الأمر وأن العالم كله، حتى بما في ذلك الولايات المتحدة، لايزال يعترف بهذه المنظمة ولايزال يعتبرها الشريك المقبول في عملية السلام الجارية.

ثانياً، إن الدعم الأردني للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وللسلطة الفلسطينية لايزال على ما كان عليه وهو لم يتغير ولو بمقدار قيد أنملة والأردن لايزال يعتبر إقإمة الدولة الفلسطينية المستقلة هدفاً رئيسياً له كما هو هدف رئيسي للشعب الفلسطيني فإقامة مثل هذه الدولة ـ القابلة للحياة والاستمرار والجاذبة وغير الطاردة وجنباً الى جنب مع دولة إسرائيل هو الضمانة الأكيدة لقبر مؤامرة «الوطن البديل».

ثالثاً، إن الأردن لايزال على موقفه المعارض للإنقلاب الذي قامت به «حماس» على منظمة التحرير والسلطة الوطنية، ثم أن الأردن لايزال يرفض منطلقات حركة المقاومة الإسلامية السياسية، ولايزال يتمسك بعملية السلام وفقاً لم اتفق عليه العرب في قمة بيروت الشهيرة. وهو أيضاً يرفض ارتباط هذه الحركة بالمحور الإقليمي المعروف الذي تقوده إيران.

لقد ذهب البعض في ضوء هذه اللقاءات الآنفة الذكر، الى استنتاجات واستنباطات كلها غير دقيقة وغير صحيحة ومن هذه الاستنتاجات أن الأردنيين بعد ان استغرقت المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير، كل هذا الوقت ولم تحرز أي تقدم قد بادر الى نقل البندقية من كتف الى الكتف الآخر وأنه إزاء هذا لم يجد بداً من ان يحِلَّ «حماس» محل هذه المنظمة وسلطتها وأن يتخلى عن محمود عباس (أبو مازن) لحساب خالد مشعل وهذا ليس صحيحاً وهو تجنٍّ صارخ على المملكة الأردنية الهاشمية ومواقفها وسياساتها التي من المعروف أنها ثابتة ولا تعرف التقلبات والأمزجة كما هو الأمر بالنسبة لبعض الدول العربية «الشقيقة» التي تصف نفسها بأنها ثورية وتقدمية.

ثم وأن الأنكى من هذا ان أصحاب النظرات الحولاء والنفوس المريضة قد ذهبوا الى حد القول ان الأردن تقارب مع «حماس» كل هذا التقارب وأنه في طريق الإنقلاب على منظمة التحرير والسلطة الوطنية و«فتح» لأنه بات على يقين بأن عملية السلام على المسار الفلسطيني قد فشلت وأنه لا دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية لا الآن ولا في المستقبل البعيد وأن هذه الدولة لن تكون إلا في غزة أولا وأخيراً ولذلك فإنه أخذ يرمم جسوره مع حركة المقاومة الإسلامية على أساس الاعتراف بدولتها «الغزية» القائمة الآن ودعمها مقابل دعمه في العودة الى واقع ما قبل حرب يونيو (حزيران) عام 1967 وعلى أساس التقاسم الوظيفي مع الدولة الإسرائيلية.

إنه تجنٍّ ما بعده تجني وهو ليٌّ مقصود لأعناق الحقائق وإسقاط للرغبات المريضة على واقع الحال فالأردن طوى صفحة العودة الى الضفة الغربية الى الأبد وهو لايزال وسيبقى يعتبر ان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة هدف استراتيجي له كما هو هدف استراتيجي للشعب الفلسطيني وذلك لأن قيام مثل هذه الدولة يعتبر إحدى ضمانات إسقاط مؤامرة الوطن البديل وأحد مرتكزات الأمن الوطني الأردني المرتبط والى حد كبير بتطورات أوضاع الفلسطينيين وبمستقبلهم إن في غزة وإن في الضفة الغربية.

ربما ان الأردن قد لجأ الى هذا الانفتاح الأمني المحدود على «حماس» لإفهام الإسرائيليين ان هذا الخيار سيصبح خيار العرب كلهم إن هم بقوا يتعاملون مع منظمة التحرير ومحمود عباس (أبو مازن) والسلطة الوطنية بهذه الطريقة التي تدل على أنهم لا يريدون سلاماً حقيقياً وأنهم يكذبون على أنفسهم وعلى الفلسطينيين وعلى العالم كله عندما يتحدثون عن دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة وربما ان الهدف من هذه اللقاءات هو التعاطي مع مسألة الجهود المبذولة لإطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط أما ان يذهب الذين اعتادوا الاصطياد في المياه العكرة الى حد الترويج للعودة الى الخيار الأردني فإن هذا لا يخدم إلا إسرائيل وسياساتها وسعيها المتواصل الدؤوب لحصر الدولة الفلسطينية المنشودة في قطاع غزة وحده.

لا شيء جديداً بين الأردن وحركة «حماس» ولا استبدال لعباس بـ«حماس» فالقديم لايزال على ما هو عليه والموقف الأردني كان ولايزال وسيبقى ضد تدخل هذه الحركة في الشؤون الداخلية الأردنية من خلال تدخلها في الشؤون التنظيمية للإخوان المسلمين «الأردنيين» وضد تحالفاتها الإقليمية.