«الإسلام الصحيح»

TT

كانت الصورة المرسومة أنه مع سقوط نظام صدام حسين في بغداد سيتحول العراق إلى مركز إشعاع عصري، منه تتعلم الدول العربية العمل الديموقراطي، على اعتبار أن العراق سيؤثر ويتأثر.

كما تم تصوير الأمر على أن العراق سيتحول إلى دار علوم، وسيكون مركز الابتعاث التعليمي إلى كل من أوروبا وأميركا، حيث نرى العراقيين هناك كطلاب علم وباحثين، لا طلاب لجوء سياسي فارين من قمع ما بعد صدام حسين.

لكن ما الذي جرى؟ اليوم نرى أبواب الابتعاث تفتح على مصاريعها إلى إيران، حيث قوافل طلاب العلم الجدد! وأبرز مثال هنا هو حالة السيد مقتدى الصدر الذي يريد الارتقاء إلى درجة «مرجع» في ليلة وضحاها وهو الذي لم يكمل حتى دراسته الأصولية.

ويبدو أن تأهيل السيد مقتدى الصدر، الذي يهدف إلى جعله حسن نصر الله العراق، بحسب بعض المصادر العراقية، سيتم على طريقة وزير الداخلية الإيراني الذي ادعى الحصول على دكتوراه فخرية من جامعة اكسفورد، التي نفت بدورها منحه الشهادة!

وهذا ليس كل شيء، فبدلا من أن تقوم واشنطن بعمل تعليمي يساند العمل العسكري في العراق، وجدنا أنفسنا أمام مراكز أميركية تريد تعليم «الإسلام الصحيح» في بغداد، على غرار ما يحدث داخل معتقل بوكا في العراق، حيث يقوم متطرف «تائب» ألقي القبض عليه مرتين بتهمة الإرهاب، بتدريس السنة والشيعة مادة عن «الإسلام الصحيح».

يا الله! هذا يعني ببساطة أن ليلنا سيطول في هذه المنطقة الملتهبة. فللإخوان المسلمين رؤيتهم الخاصة بالإسلام الصحيح، وللإيرانيين كذلك رؤية أخرى نرى نتائجها في لبنان والعراق ومناطق كثيرة من عالمنا العربي نتيجتها عمائم سوداء، وفتن.

ولدينا نحن رؤيتنا الخاصة بالإسلام الصحيح، ولدى متطرفينا رؤية أخرى رأينا نتائجها في أفغانستان، ونراها اليوم في باكستان، وخلفت لنا إرهابا كاد يعصف بدولنا العربية دون استثناء. والسؤال هو: أين سننتهي؟

فها هي المعركة المحتدمة على السلطة بين فتح وانقلابيي حماس تصل إلى جهاز التعليم، والضحية بالطبع جيل كامل من الفلسطينيين كتب على عقولهم أن تتلوث بالتعليم لا السلاح. وها هو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يخاطب أئمة المساجد، وأصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محددا لهم ما يجوز وما لا يجوز.

كل ذلك يحدث تحت اسم الديموقراطية، ورؤية كل طرف للحق الذي يدعي امتلاكه، والحق أننا جميعا ضحايا لتسييس الدين، وغياب الوعي السياسي. قبل أيام كتب صديقنا الدكتور جابر حبيب جابر مقالا مفيدا تحت عنوان «الاميبية السياسية» شارحا واقع الحال في العراق ولبنان، من حيث غياب الوعي بأصول العمل السياسي والحزبي، وهو مقال مهم ومفيد.

خطورة ما يحدث في منطقتنا هو الإمعان في تلبيس السياسة ثوب الدين من قبل الجميع، أصوليين وثوريين وعلمانيين، وحتى الأميركيين. وكذلك الإمعان في البحث عن الحلول البسيطة، فلا أحد يريد أن يقول توقفوا عن هذا العبث، وأوله المتاجرة بالدين.

[email protected]