حرب التعويضات

TT

بعد نهاية عهد جورج بوش (الأب)، أعلن رئيسان عربيان، في نص واحد تقريبا، العراقي صدام حسين والليبي معمر القذافي، أن لا مشكلة لهما مع الرئيس الجديد ولا مع الشعب الأميركي، لذلك فهما يمدان يد المصافحة إلى المستر كلينتون. ولم يجب المستر كلينتون ولا استجاب. بقي الحصار الدولي قائما ومقيما حول العراق وليبيا. وصدئت طائرات البلدين التجارية. وتحول الأردن إلى منفرج للعراق وتونس إلى مرافئ ليبية.

اعتبر الرئيسان القائدان أن القرارات الدولية مناورة عابرة. ومات مئات آلاف العراقيين والمناورة لا تعبر. ولم يعرف أحد مدى الضرر البشري الذي لحق بليبيا، لأنها لم تشك في العلن ولم تتحدث عن موت جماعي للمرضى والأطفال. وفي النهاية ذهب كل قائد في طريق: صدام حسين للقضاء على نمر الورق الأميركي، ومعمر القذافي ليفاوضه. فوجئ السيد سيف الإسلام القذافي بأن أهل ضحايا لوكربي يفاوضون على المال. مثل خاطفي الرهائن في الفيلبين. ولم تنته قصة المال والتعويض عن «الضحايا المشتركين». وتخلت ليبيا عن تحرير فلسطين وانصرفت إلى إقامة مملكة ممالك أفريقيا. وبدأ قادة الغرب في التوافد، زرافات ووحدانا. وجاء أولا طوني بلير، بعدما وضع خلفه ذكرى تبادل النار بين اللجنة الشعبية الديمقراطية الدبلوماسية في سفارة ليبيا وبين قبعات الفلين السوداء. ثم جاء جاك شيراك، ووضع خلفه طائرة «يوتا»، التي سبقت طائرة «بان أم» في المعركة الشعبية لتحرير العالم من الاستعمار. والآن استقبلت ليبيا المز كوندوليزا رايس. وأهلا وسهلا. وقد سبق المز رايس إلى الجماهيرية العظمى عشرات الوكلاء والكفلاء والشركاء الأميركيين، العاملين في النفط ومشتقاته وملحقاته.

عندما قال تشرشل أن لا عداوات دائمة في السياسة ولا صداقات دائمة، بل مصالح دائمة، كان يقصد الغرب. لأن الشرق كائن عاطفي يضع عواطفه وكرامته في الميزان. ويعلن «أم المعارك» على أم الحروب والأساطيل والقاذفات. وفي النهاية تربح الحرب إيران، التي لم تستطع أن تربحها في المواجهة المباشرة. رفع الغرب شعار تشرشل وهو قادم إلى سرت، بلا أي حرج. ودفن الفريقان سنوات طويلة من العداء والعبث. وإكراما لعيني أفريقيا قبل العقيد القذافي لقب ملك ملوك القارة، بعد أربعين عاما من حربه على الملكية والعهد البائد والرجل الذي أعلن استقلال ليبيا ووحدتها. ومن دون طلقة واحدة ربحت طرابلس حرب التعويضات ضد الاستعمار الإيطالي. كل فريق يدفع ما عليه من التعويضات. لكن أحدا لا يعوض على الشعوب ما قهرت وما ظلمت.