علينا أن نستمع للصيحات الصامتة القادمة من الصومال

TT

بالنسبة لملايين المسلمين، يعتبر شهر رمضان المبارك وقتاً للتأمل والتفكر بالأحداث الإيجابية والسلبية التي مرت في العام الماضي وفرصة للتفكير بالأشخاص الأقل حظاً.

عندما كنت طفلاً، كان أهلي يخبرونني على الدوام أن أنظر إلى صيام رمضان كنعمة ـ فلدي فرصة اختيار ما أرغب في أكله وفي أي وقت. لقد تعلمت خلال ذلك الوقت أن أتوقف وأفكر بأولئك الأشخاص الأقل حظاً مني وأن عليّ أن أحاول مساعدتهم بأي طريقة ممكنة سواء من خلال تخصيص الوقت والجهد أو من خلال تقديم الزكاة. واليوم، أتذكر كلمات والداي ونصحهما الطيب لي بخصوص التكافل وواجبنا الأخلاقي.

في الأسبوع الماضي، قبل أيام قليلة من رمضان، شهدت بأم عيني معاناة إخواني المسلمين الأقل حظاً مني. فقد سنحت لي فرصة الذهاب إلى بلدة واجيد في جنوب وسط الصومال. كما ذهبت أيضاً إلى مخيم اللاجئين في داداب في شمال شرقي كينيا الذي فر إليه أكثر من 210 آلاف صومالي. ما رأيته هو الأزمة والمعاناة الإنسانية الحقيقية للشعب الصومالي.

ذهبت إلى مستشفى قديم في واجيد، حيث استقر الأشخاص المهجرين الذين فروا من القتال في مقديشو. لم يستخدم المستشفى منذ حوالي 20 سنة وهو غير قادر على خدمة السكان المحليين إلا لغرض المأوى. وهناك شاهدت النساء، والأطفال، والشيوخ وهم يعانون من سوء التغذية ويعيشون في ظروف غير مستقرة على الإطلاق.

في السوق المحلية لواجيد وهي السوق المركزية لما يزيد عن 150 ألف شخص، كان هناك بالكاد من الغذاء ما يكفي لملء سوق متوسطة الحجم من أسواق الشوارع في نيروبي. هذه الكمية القليلة المتوفرة من الغذاء كانت مكلفة للغاية ـ فتكلفة بيضة واحدة هي 5000 شيلينج صومالي (20 سنتا أمريكيا) ـ وهي زيادة بنسبة خمسة أضعاف عن بداية العام.

في مخيم داداب في كينيا شاهدت اللاجئين الذين وصلوا أخيراً واستطاعوا عبور الحدود وكان بعضهم ما زال مصاباً بجروح من القتال الحاصل في الصومال. مشى هؤلاء الأشخاص مئات الأميال وعبروا الحدود إلى كينيا للوصول إلى بر الأمان. وعندما يصلوا إلى الجانب الآخر من الحدود يسعى اللاجئون للاحتماء من أشعة الشمس الحارقة بالاختباء تحت الشجيرات الشوكية التي تعتبر النباتات الوحيدة في تلك المنطقة الحدودية.

لقد أدت التأثيرات الثلاثية للجفاف والعنف وارتفاع أسعار الغذاء إلى جعل الوضع يفوق ما يمكن أن يتحمله الصوماليون ـ مضى 18 عاماً تقريباً منذ بداية الأزمة وقد وصل وضع السكان الآن إلى الحضيض. لقد تم توثيق هذه المعلومات في التقييم الأخير لوحدة تحليل الأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة في الصومال والتي رسمت صورة قاتمة لانعدام الأمن الغذائي الذي يصيب البلاد حالياً. يقول الخبراء أنها واحدة من أسوأ الأوضاع الإنسانية التي شهدوها في الصومال في السنوات الـ 17 الماضية. وقد وصل عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات الغذائية العاجلة والمساعدات الإنسانية الأخرى الآن 3.2 مليون شخص. وهي زيادة بنسبة 77 بالمائة منذ بداية العام وتمثل حوالي 43 بالمائة من عدد السكان الكلي للصومال اليوم.

ومع ذلك، فقد شجعني رؤية العمل الجبار الذي تقوم به الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في تقديم المساعدات الإنسانية وسط أصعب الظروف في كافة أنحاء الصومال. ويوجد عمال الإغاثة الإنسانية هنا لتخفيف المعاناة الإنسانية الواقعه بالرغم من الأخطار الأمنية عليهم والتي تتراوح من التهديدات وحتى القتل والاختطاف.

وأشعر بالحاجة لضم صوتي إلى الصيحات الصامتة لملايين الصوماليين وأناشد المجتمع الدولي وخاصة الدول الإسلامية في المنطقة وخارجها لتذكر الاحتياجات العاجلة للغذاء، الماء، المأوى، والحماية لملايين الصوماليين وخاصة الآن خلال شهر رمضان المبارك.

وأشجع إخواني المسلمين على تخصيص بعض الوقت خلال أيام رمضان للتعرف أكثر على محنة إخوانهم الصوماليين وأن يأخذوا على عاتقهم مساعدة الصوماليين بأية طريقة ممكنة.

*المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية