عرفنا التسامح الديني في الطفولة!

TT

ليس السبب الوحيد في لمعان الكثيرين من أبناء بلدنا في الدقهلية إنهم فقط خليط من أصول فرنسية تركية إيطالية يونانية ألمانية.. ولكن لأن هذه الجاليات لها حياة وأعياد غرسوها في حياتنا فاستمعنا إلى الموسيقى الأوروبية والغناء.. ولأن هذه الجاليات لها جذور وفروع في عائلاتنا فاعتدنا ونحن صغار على جرجس وكوهين ومخالي وانطونيو وفريدريش..

ولا أعرف كيف تعلمنا لغات كثيرة ونحن لا نزال صغاراً، ففي أبناء جيلي من يعرفون أربع لغات وخمس؛ فالجاليات الكثيرة في المنصورة كانت لها مدارس وفي المدارس مكتبات وكانوا يعلموننا ويدفعون لنا مكافأة من فلوس ومن كتب.

وأعرف عدداً كبيراً من أبناء جيلي أكملوا تعليمهم في أوروبا وأمريكا..

أذكر أنني زرت أحد زملاء الدراسة فوجدته وحده في البيت واندهشت..

فقال: لا تضحك.. ابنتي أم كلثوم تدرس في أمريكا وابنتي فاتن تدرس في ألمانيا وابني مصطفى آخر العنقود يدرس في سويسرا وزوجتي يا سيدي عند أمي في فرنسا. أما صديقي هذا فقد درس الطب في بريطانيا ويحمد الله أن ليس من أبنائه أحد يحب الطب، فقد اختار كل واحد ما يعجبه من العلوم ومن الحياة.. وسوف يعودون جميعاً إلى مصر.. وهم أيضاً نابهون.. وأذكر ونحن كنا صغاراً نردد نشيد «ألمانيا فوق الجميع في العالم» وباللغة الألمانية قبل أن نعرف النشيد الوطني المصري.. وأول كتب مجلدة تجليداً أنيقاً كانت الكتب الألمانية والإيطالية.. أول مدرس يمر علينا في البيوت يشرح معاني الكلمات وأبيات الشعر كان الأب الألماني فريدريش أولمان.. ولم نكن نعرف ما هو الفرق بين القس والشيخ والحاخام.. ولا ما هي الفوارق بين الإسلام والمسيحية واليهودية..

ولا أحد قال لنا ذلك.. ولا أحد طلب منا أن نحترس من هؤلاء الذين يختلفون عنا في الدين؟

لا بد أنها الكتب.. لا بد أنها الحضارة.. لا بد أنه التسامح.. لا بد أنه الجو العام الذي يشيع النور في كل مكان: حولنا وفي داخلنا وأمامنا لكي نتجه إليه دائماً!