مرض العظمة عند أوباما

TT

أصيب الديمقراطيون بحالة من الذعر. إنهم متأخرون في سباق رئاسي يستحيل خسارته. يعطي مؤيدو أوباما نصائح بتعصب كبير. يخبره توم فريدمان أن «يغلق بقوة بعض الاتصالات الهاتفية». وتقول كاميل باغليا: «كن مضجرا!».

في نفس الوقت، يطوف حشد من المحامين الديمقراطيين والصحافيين، والمدونين اليساريين والعديد من الآخرين من محبي أوباما ساحل ألاسكا بحثا عن شيء، أي شيء، ليطيح بسارة بالين: حمل ابنتها، ومشكلة شقيق زوجها السابق، ويوميتها الـ60 دولارا، والآن ديانتها. وليس منذ أن طلب هنري الثاني إذا كان هناك أحد يخلصه من كاهنه المشاغب، لتطوع الكثيرون لأداء هذه المهمة.

كان القلق الذي ظهر في مؤتمر دينفر، مثل شعور المشتري بالندم، إدراكا من الديمقراطيين لهبوط أسهم أوباما، ودخولها في مرحلة انهيار حاد. إن احتمالية أن تستولي بالين على أضواء الشهرة منه على الفور انعكاس لهذا الهبوط.

ترسم خمسة خطابات مسار أوباما المنحني. وانطلق أوباما إلى عالم الشهرة من خلال خطابه الرائع والمؤثر في مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 2004، (1) فقد حوله من سناتور مغمور عن إحدى الولايات إلى رمز قومي ومرشح رئاسة شرعي.

كانت لحظته التالية السامية. (2) ليلة انتصاره في مؤتمر الحزب في أيوا عندما أدلى بخطاب ذي تأثير مماثل في نبرات عالية أذهلت الجمهور الحاضر.

المشكلة هي أن أوباما بدأ في الاعتقاد في قدراته السحرية، الهتافات والنشوة والافتتان بالذات. إنه يقود حركة، مثل دونالد ريغان، ولكن حركته تقودها الشخصية. أما ثورة ريغان فكانت أصولها أفكارا سياسية واقعية (اقتصادات العرض وتحرير دولة الرفاهية والقوة القومية) وهو ما يسمو فوق الشخص الواحد. أما حركة أوباما، فالشخص هو السمو. هذا ما أضفى على حملة أوباما لونا من ألوان تأليه الشخص. مع كل مرحلة في الانتخابات التمهيدية ومع كل تكرار للخطابات المنمقة التي تشير إلى الذات، يصبح ضعف الحملة أكثر وضوحا. ومع تكرار الأمر مجددا في ليلة الانتخابات التمهيدية الأخيرة (3)، كانت الكلمات بالية وسطحية. من أجل أن يرتفع أوباما عليه أن يصل. ولذا أعلن في انتصار أن التاريخ سيذكر هذه الليلة، ليلة انتصاره وصعوده باللحظة «التي يقل فيها ارتفاع المحيطات، ويبدأ فيها كوكبنا في الشفاء».

ولكن أوباما استمع فقط إلى تصفيق جمهور المدعوين. ولم يرى عدم جدوى المخلص الزائف، فألقى خطابا في برلين (4) ثم بدأ نجمه في الانحدار. لقد فجر الإطراء المبالغ فيه هذه الفقاعة. وأصبح تكلف العظمة أمرا غريبا. عند هذه النقطة أصبحت خطوة صغيرة تفصل بينه وبين إعلان باريس هليتون. وأخيرا، تفهم مؤيدو أوباما الوضع. ولهذا اختلف الخطاب التالي (5) كثيرا. كان خطاب قبول ترشيح أوباما في دينفر عاديا عن قصد، كان على طراز حالة الاتحاد، شبيه بالبرنامج وبه القليل من المبالغة في الأسلوب.

يأفل نجم، ويسطع آخر. في صباح اليوم التالي، اختار ماكين سارة بالين وتم إطلاق نجم جديد في سماء الشهرة. في لعبة الشهرة، يصبح الجديد هو الورقة الرابحة. تحمل بالين بحديثها وشخصيتها وكاريزمتها حملة ماكين إلى أماكن لم تصل إليها من قبل، ولم يكن يحق لها أن تصل إليها على أية حال، وبذلك هي تنتزع أوباما من موقعه.

ولكن عملها أكثر سهولة منه. فعليها أن تظل تتنقل بالطائرة لمدة سبعة أسابيع. أما أوباما، فقد ظل محافظا على ارتفاعه لمدة أربعة أعوام مدهشة. ولكن في السياسة، كما في جميع الألعاب، العبرة بالنهاية.

*خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»