أيلول.. ثورة الكُرد!

TT

انطلقت ثورات عديدة من المنطقة الكُردية، لكن ثورة أيلول (سبتمبر) 1961 أصبحت بمثابة الأم، والتي يُختلف على يوم انطلاقتها، العاشر من الشهر أو الحادي عشر منه، ويبدو أن ما وقع في اليوم الأخير بنيويورك وواشنطن غطى على الأحداث، حتى لم يبق مجال للفت الانتباه إلى تلك الثورة، وهنا ربما سيؤخذ بنظر الاعتبار ما ذهب إليه البعض بأنها حدثت في اليوم العاشر.

وبعيداً عن تقييم تلك الثورة، يمكن القول بأن السياسة العراقية، بمجمل تاريخ الدولة، ظلت مرتبطة باضطراب أو استقرار شمال البلاد، وأن أكثر الخصوم، للعراق الملكي أو الجمهوري، استغل الفرصة ليدخل مؤثراً من تلك الجهة، بل وما من انقلاب حصل ببغداد إلا وكان الإنقلابيون قد نسقوا مع الزعامات الكُردية، وكتبوا على الورق الاعتراف بالحقوق كاملة، لكن ما هي إلا فترة وجيزة ويعود الكُرد إلى بنادقهم.

وما يخص ثورة أيلول، نجد لدى رئيس إقليم كُردستان مسعود بارزاني رأياً آخر يقول: «كنت في قرارة ضميري أتمنى أن لا تنشب ثورة أيلول في عهد عبد الكريم قاسم، وأنه إذا قُدر لها أن تنشب فلتكن قبل عهده أو بعده، وربَّما عَذرني القارئ عن خيالي هذا حين يدرك أنه نابع عن الإحساس بالفضل العظيم الذي نُدين به لهذه الشخصية التاريخية، وأنا أقصد الشعب الكُردي عموماً، والعشيرة البارزانية بنوع خاص...» (البارزاني والحركة التحررية الكُردية).

هذا الرأي الذي نُشر العام 2002، وإن كان متأخراً لكنه، حسب رأيي، يعبر عن وجهة نظر صائبة، ومراجعة شجاعة من قبل أحد أبرز القادة الكُرد حالياً، وربَّما هناك ما لا يفصح به بارزاني من استغلال ذلك الحدث من قبل القوى التي كانت تنسق للوصول إلى السلطة، وفعلاً وصلت بالتنسيق مع القيادة الكُردية، وما هي إلا لحظات ولم يعترف للكُرد ما كان عبد الكريم قاسم معترفاً به، وما كان العهد الملكي سيصل إليه، ولا يُخفى على أحد أن شخصيات كُردية مرموقة كانت تدير السلطة في العهدين، ومؤثرة في القرار السياسي.

اجمالاً، لم تكن الحركات المسلحة الكُردية صافية للدوافع القومية والتحررية، وعلى وجه الخصوص ثورة أيلول، فهناك الإقطاعيون الذين تأثرت مصالحهم بقانون الإصلاح الزراعي، ولا ينكر تأليب العامل الخارجي. ولا أظن أن إمتنان مسعود بارزاني لعهد عبد الكريم قاسم هو السبب الوحيد لتصريحه السابق، إنما هناك حساب للخسائر والأرباح بعد ذهاب ذلك العهد، وانقلاب المؤيدين ضد مطالب الكُرد، مثل موقف القاهرة والموقف القومي العربي بشكل عام.

تبدلت الدنيا واشترك الكُرد في قيادة الدولة اشتراكاً حقيقياً، بعد مقاسمتهم الدور في المعارضة العراقية، وليس هناك من اعتراضات جدية على اتخاذ الفيدرالية طريقاً لإدارة الدولة، بعد أن كان المطلب: الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، إلا أن العقبة الكأداء ما زالت كركوك، ثم دعمتهما خانقين وبقية المناطق، التي عُرفت في الإعلام بالمتنازع عليها، وظهر الأمر اثناء الحوار كأنه بين دولتين مثلما تقدم. وما ساعد على ذلك، حسب رأي أحد القادة الكُرد، أنه لم تتبلور الفيدرالية ببقية العراق، لذلك تظهر المواجهة على أنه بين دولتين.

نعود إلى صراحة رئيس الإقليم مسعود بارزاني في شأن ثورة أيلول، وما كان بين الكُرد ونظام عبد الكريم قاسم، قال: «وعليَّ الإقرار بأن تعاملنا معه ومع نظامه لم يكن في معظم الأحيان يتسم بالحكمة، وبُعد النظر بل كان مشوباً بالتسرع والطيش وعدم التبصر بالأخطار، التي كانت تهدد حكم قاسم ونظامه، كنا نتصرف وكأننا دولة داخل دولة في بعض الأحيان، ليغدو ذلك عند قاسم مصدر قلق، وتحسب وتخوف على الوحدة الوطنية» (المصدر نفسه).

قد لا نجد شخصية أو حزباً سياسياً أمتلك هذه الشجاعة على صراحة النقد، ذلك إذا علمنا أن أيلول والشخصيات التي فجرتها، وفي مقدمتهم بارزاني الأب، قد تحولوا إلى قدس من الأقداس القومية الكوردية. وهنا يأتي الفارق بين الفعل السياسي والفعل الآيديولوجي، الذي من شأنه التقديس والتعصب.

أقول: هل ما زال ذلك الموقف في ذهن القادة الكُرد، وهم الآن الدولة نفسها، عندما تُطرح الصلات بين الإقليم والمركز؟! وهل ثمة انفتاح على بقية العراق، والخروج من فكرة الثنائية بين الدولة والإقليم، فعلى حد مقال لحسين سنجاري، كم علما عراقيا رفعته تظاهرة الأحزاب الكُردية بشأن كركوك؟!

عموماً، الخشية بعد استنفاد الحوار عبر الدستور، بشأن المختلف عليه من أراضٍ وأموال ومسؤوليات، هناك مَنْ يهدد بالمواجهة، وفي الظروف الحالية، وبعد علائق المواطنة وذكريات المعارضة السابقة الحميمة، تصبح المواجهة: «إذا رميت أصابني سهمي»!

[email protected]