ساركوزي وبيع السودانيين

TT

منذ ان تولى نيكولا ساركوزي الرئاسة الفرنسية كان يصور بأنه رجل قليل المبادئ. كلام يمكن أن يقال أيضا عن الكثير من السياسيين، لولا ان الرئيس الجديد بلا حياء أيضا، حيث تخلص من زوجته فطلقها، ودخل بعشيقته إلى قصر الاليزيه. مسألة شخصية بكل تأكيد لكنها في الوقت نفسه تعكس شخصية الرئيس الجديد، الذي خلف رجلا أكثر صبرا وبأسا وحكمة هو جاك شيراك، لم تتقلب مواقفه 12 عاما من الرئاسة، فكانت سياسة باريس اكثر وضوحا في مواقفها وممارساتها.

ساركوزي انقلب على نفسه مرات، آخرها في جورجيا، وقبلها مع سورية، الى الغزل مع ايران، مع ان الأخيرة مقبولة على اعتبار انها قضية سياسية ذات زوايا متعددة. الأكثر إثارة للاستغراب والاستهجان ما نسب الى مصادر في قصر الاليزية ان فرنسا مستعدة لتعليق اجراءات المحكمة الجنائية الدولية بحق الملاحقين في قضية دارفور، وتحديدا الرئيس عمر البشير، «شرط ان تخطو الخرطوم» خطوة الى الامام. ومع ان مصدر القصر لم يحدد ما هي الخطوة، إلا انه لمح الى المطلوبين السودانيين الاثنين، احدهما وزير الدولة في وزارة الشؤون الانسانية والثاني قائد ميلشيات الجناجويد، في اشارة ربما الى تسليمهما او التخلص منهما، قائلا «انها خطوة يمكن للحكومة السودانية ان تفكر فيها بطريقة او أخرى»!

لحسن الحظ ان لعبة محاسبة متهمي جرائم دارفور لا ينفع فيها موقف أي دولة مهما وعدت، لأنها صممت على ان صوتا واحدا في مجلس الأمن يكفي لابقاء الملاحقة والمحاكمة مستمرتين، وليس العكس. أي على البشير ان يحصل على موافقة كل الدول الدائمة الخمس حتى يبطل مفعول الملاحقة لا فرنسا وحدها، وهذه مهمة صعبة جدا. يستطيع مجلس الأمن تعليق الملاحقات والتحقيقات سنة واحدة في جرائم دارفور شرط موافقة كل الاعضاء الدائمين، أمر سيتم امتحانه بعد نحو شهر ونصف الشهر من الآن، عندما يحين موعد البت في طلب المدعي العام اصدار مذكرة ملاحقة الرئيس البشير.

أهمية ملاحقة مرتكبي جرائم دارفور انها تمثل سلطة لايقاف الحكام الجزارين في العالم الثالث، بمن فيهم جزارو العالم العربي. بالنسبة لنا في هذا العالم المغلوب على امره لا توجد وسيلة لردع الديكتاتوريين الا بان يعلموا انهم مستهدفون شخصيا، هنا يتغير سلوكهم. ثبت من المحاولات السابقة انهم لا يخشون الحروب، فهم يسكنون في اقبية محروسة وعميقة، ويتعشون أشهى الأطعمة في ظل اي حصار، ولا شيء من هذه العقوبات الجماعية تمسهم شخصيا. لكنهم لا ينامون الليل إذا اذيع انهم مطلوبون شخصيا في عمليات الإبادة، وسيقادون الى محكمة جنائية، وهذا قد يعني خطفهم من غرف نومهم ليلا أو تحويل سير طائراتهم نهارا. نحن لا نطمع في حكام رائعين، بل في اناس اقل دموية، ونعتقد ان التهديد بالملاحقات لن يعدل كل سلوكهم لكنه سيقلل من لامبالاتهم في ارتكاب المجازر بحق مواطنيهم. فمنذ ان اذاع المدعي العام للمحكمة لويس اوكامبو طلب اعتقال الرئيس البشير والرئيس يسير في عرض البلاد وطولها يعد مواطنيه بتحسين معاملتهم وخدمتهم، ورفع الظلم، وإشراك المعارضة في الحكم، حتى قال عنه صديقه وخصمه الدكتور حسن الترابي، متأملا الوضع الجديد، الآن... عرف الرئيس ان الله حق.

[email protected]