تصبحين على خير

TT

انتمت زينات نصار الى العقد الذهبي في حياة بيروت: الستينات. كل شيء كان حيوياً وكل شاب كان له لون وعطر وكل باب على الحياة والأمل والنجاح كان يرفع كلمات الترحيب. في هذا العقد انتقلت الصحافة الى الحداثة، واتسعت بيروت من مساحة البرج الى شواطئها الساحرة، وانتقلت فيروز من طور الغناء «الى راعية» الشدو للقدس وشوارع القدس العتيقة.

وفي هذا العقد عرفنا شيئاً جديداً يدعى التلفزيون، كنا نشاهده من قبل في الأفلام السينمائية. وكان حلواً ورصيناً وبالأسود والأبيض. وكان لبنان بلداً سعيداً وصغيراً لا يحتاج الى أكثر من نشرة أخبار واحدة في المساء. وعند الثانية عشرة كانت الناس تطفئ مرغمة برنامج «عازف الليل» لتذهب الى النوم. فغدا يوم عمل ولم تكن في بيروت بطالة.

لم تكن بيروت تنام قبل أن تتمنى لها زينات نصار بكل عذوبة وصدق «أحلاماً سعيدة» وكانت لها ضفيرتان، آية الصبا. ودخلت الوجوه التلفزيونية البيوت وأصبحت جزءاً منها. ولم تكن هناك تحذيرات من نوع «ينصح بوجود العائلة» لأن كل شيء كان للعائلة برمتها، إلا برامج الأطفال بدايات المساء.

لم تأسر زينات نصار نفسها في الإطار الجمالي المرئي، بل ذهبت الى «الشبكة» تكتب فيها أيضاً أعذب المشاعر. وذات يوم ردد خلفها شباب لبنان عنوان رسالة هائمة: «كل عام وأنت حبيبي يا حبيبي». وعندما هاجرت الصحافة استأنفت زينات كتابة رسالتها الأسبوعية في مجلة «المستقبل» الباريسية، التي ضمت أسماء متألقة في الصحافة العربية، مثل أحمد بهاء الدين، ولفترة محمد حسنين هيكل.

وفيما اكتظت المجلة بالسياسة كانت صفحة زينات نصار مثل فيء في حديقة عاطرة. امرأة تعبر، في خفر، عن مشاعر الضعف وشجى الحنان والحنين.

في روايته «وفاة ايفان ايلليتش» يصور تولستوي تأملات رجل عادي مريض في مسألة الحياة والموت. وهي القضية التي يتعمق فيها في «اعتراف» ويتقبل ايفان ايلليتش فكرة الموت كجزء من نظام الحياة، مثل الأمير أندريه بولكونسكي في رائعة تولستوي «الحرب والسلم». وفي السنوات الأخيرة لم أعد أرى زينات نصار بسبب الأسفار والترحل الكثير، لكنني كنت أسأل عن حالها الصحية الصديق المشترك الرئيس أمين الحافظ. وكان له جواب واحد: «لا أعرف، إنها تبتسم، لا تشكو».