هنا صناعة المعلبات والقوالب!

TT

وطبيعي جداً أن تطيش كلمة مجنون.. أسمعها من كل هؤلاء.. أي أنني مجنون ان تركت التدريس في الجامعة واتجهت إلى الصحافة ومجنون أيضاً: لأن التدريس في الجامعة ممل فالمدرس في هذا العام يردد ما سبق أن قاله في الأعوام السابقة والأعوام القادمة والفلاسفة ضد التدريس في الجامعة. وإن كان عدد منهم كان أستاذا جامعياً وكانوا يرون أن التدريس في الجامعة هو صناعة «المعلبات» أي التفكير المحدود والمدفون في علب تصنعها الدولة أو التقاليد الجامعية.. وهو ما يسمونه اليوم «القولبة» أي وضع كل شيء في قالب من الحديد.. تماماً كما كانت تفعل بنات الصين عندما كن يضعن أقدامهن في قوالب من الحديد حتى لا تكبر لأن الجمال في الأقدام الصغيرة..

ولم نخرج من هذه القوالب بفكر جديد أو فيلسوف حقيقي فالجامعة خانقة والفكر الجديد ثورة على القوالب والمعلبات والسلطة..

قال لي العقاد: إذا أردت أن تكون شيئاً مذكوراً ابعد عن صناعة إعدام الفكر والمفكرين ـ أي الجامعة..

وقبله قال الفيلسوف الدنمركي كيركجور وهو أبو الفلسفة الوجودية: الجامعة لا يدخلها جرس يوقظ النائمين ويقض مضجع الجامدين.. اهرب بجلدك من الجامعة وانقلب عليها..

والفرق بين الفلسفة والعلوم. أن الفلسفة تعيد وتزيد في قضايا قديمة. ولكن العلم يضيف جديداً إلى العلوم القديمة. فهو يدفعنا إلى الأمام.. مثلاً لو أننا وقفنا أمام قاطرة وأتينا بعالم وفيلسوف فالفيلسوف يحاول أن يغير شكلها وحجمها ولونها. أما العالم فهو يحاول أن يجد أسلوباً آخر لعملية الطاقة وكيف يولدها لتدفع عجلاتها إلى الأمام. فهو قد أتى بجديد. فالعلم يضيف ويزيد ويطور أما الفلسفة فهي تغير وتجمل ولا يشغلها كثيراً إن كان ذلك ينفع الناس..