صدمة القرضاوي

TT

كثيرون يعرفون ان الشيخ يوسف القرضاوي كان القطبَ الأولَ في حركة التعاون بين المذهبين السني والشيعي. في سبيلها خاض معاركَ عديدة؛ رافضا ان يصدق ان هناك استخداماً سياسياً وراء دعوات تبدو اخلاقية وانسانية.

والشيخ القرضاوي، مثل أكثر شيوخ الدين، لا يديرون مراكز ابحاث، ولا يجلسون على نهر معلومات خاصة، وسهل ان ينجرفوا وراء الدعاية المنظمة، وتتلبسهم المواقف العاطفية. ومن عادتهم ان يتعاملوا مع الواقع السيئ بالنية الحسنة.

المفاجأة ان القرضاوي بعد كل هذه السنين بدل موقفه المتحمِّس جداً للتعاون الشيعي ـ السني، وأعلن مصدوماً بوجوب محاربة المد الشيعي. انقلاب غريب فاجأ الجميعَ وأربك انصاره. أوضح القرضاوي انه كان متحمساً عن صدق، لأنه يريد ان يعمَّ السلامُ بدل الخلاف في العالم الاسلامي، لكنه يقول إنه اكتشف ان المصالحة تحولت الى وسيلة للتغلغل وتغيير عقائد السنة، وخلق نزاع داخلهم.

القرضاوي محق في التجربتين. أصاب عندما ساند التفاهم الشيعي ـ السني، لان التعايش الفكري ضرورة للتعايش السلمي، بحيث تحترم كل طائفة قناعات الأخرى الدينية، والتاريخية، والمعاملاتية اليومية. فملايين الشيعة والسنة يؤمنون بقيمهم اليوم، وسيبقون على قناعاتهم هكذا الى ألف سنة أخرى، وبالتالي لا خيار إلا خيار التعايش المبنيِّ على الاحترام. أيضا, هو محق في غضبته عندما اكتشف أن النظام الايراني استغل حركتهم لفتح طريق الى وسط المجتمع الآخر. يعتقد ان التبشير الشيعي المنظم، حتى لو فشل، سيحدث فتنة داخل المجتمع، واعتبره غزواً تحت ستار التثقيف الطائفي.

الحقيقة ان ايران استخدمت المتعاطفين مع قضيتها السياسية من مفكرين، ورجال دين، ومنظمات حقوقية، ووسائل اعلام، في عرض العالم العربي في غرضين؛ سخرتهم لمعاداة الأنظمة المعادية لها والتحريض عليها، فإيران في خصومةٍ مع دول الخليج ومصر والأردن. واستخدمت بعضهم للتبشير بالشيعية المرتبطة بالمرجعية في إيران، واكبر ضحية في هذا المشروع هو اليمن. فقد اكتشف اليمنيون متأخرين ان بعض الجماعة الحوثية، التي بنت علاقة «ثقافية» مع ايران، تحولوا من «الزيدية» الى «الاثني عشرية» الموالية لايران. بل وتبنت الجماعة الحوثية برنامجاً سياسياً يقول علانية باسقاط نظام الحكم، ولا تزال المعارك مستمرة، وقد قتل فيها وجرح وشرد آلاف الناس.

هذا ما جعل الشيخ القرضاوي يصدم، ولسان حاله يتساءل أيّ تعايش يمكن ان يتحقق مع نظام ديني متطرف كالموجود حالياً في طهران؟

في المقابل، فوجئ الآخرون من موقف القرضاوي، خاصة في مجتمع المثقفين المصري. هاجموه بقسوة لكنهم لم يستطيعوا اتهامه بالعنصرية الطائفية، لانه هو نفسه مؤسس الحوار. ولم يستطيعوا تجهيله لأنه كان مفتيهم وحجتهم الدينية. فهل المثقف المصري الموالي للطرح الايراني ساذج بعيد عن الواقع، ام انه منشغل بهمومه التي يحكم على العالم من خلالها؟ قطعاً ليس ساذجاً لأن القاهرة لا تزال مركز الثقافة الاقليمية لكن هناك بين المثقفين من هو متقوقع في عالمه، لا يشعر بحجم الكارثة التي شهدها القرضاوي خارج القاهرة. لقد سبق القرضاوي الى اكتشاف الحقيقة المرة أغلبية المفكرين السنة في لبنان، الذين كانوا في السابق اكثر تأييداً لحزب الله. اليوم يندر ان تجد مثقفاً سنياً إلا وهو غاضب مما يعتبره المشروعَ الايرانيَّ. وقد انضم اليهم حديثا مفكرون فلسطينيون، صاروا أكثر غضباً لأن القضية تشرذمت، والبلاد قسمت بفعل الجماعات الموالية لايران.

المشكلة، كما كتبت سابقاً، ليست طائفية بل هناك استخدام سياسي للطائفية على الجانبين.

[email protected]