ليفني على عكس أولمرت: المسار الفلسطيني أولا!

TT

في الوقت الذي تجاوزت فيه الانشقاقات الفلسطينية كل التوقعات، وصولاً الى قرار «حماس» بمحاكمة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تشير التوقعات الى احتمال نجاح تسيبي ليفني في تشكيل حكومة في اسرائيل، والقبول بأن يكون شاوول موفاز وزيراً للخارجية.

ان حال ليفني افضل من حال عباس، هو تنتهي مدة رئاسته في شهر كانون الثاني (يناير) المقبل، ولا مجال امامه للتمديد، بينما يمكن لها ان تمدد الوقت الذي تحتاجه لتشكيل حكومة الى ثلاثين يوماً اضافية. من هنا الاحتمال بأن تنجح في تشكيلها.

ليلة انتخابها لم يكن فوزها حاسماً، واعترض منافسها موفاز على النتيجة وابتعد، ثم عاد ليطالب بمنصب وزارة الخارجية، لأنه يريد ان يكون في موقع المؤثر في السياسة المتبعة.

هي ليست متحمسة لذلك، لكنها تعرف ان موفاز قوي في حزب «كاديما» ولا تستطيع تجاهله، تحاول ان تناور سياسياً، لكن الذين يعرفونها يقولون انها ليست اكثر براعة مثلاً من ايهود باراك وزير الدفاع، الذي ارتكب الكثير من الاخطاء في حياته السياسية، ومع هذا يُعتبر اكثر براعة من ليفني.

تحمل ليفني معها تركة من الفساد الذي تورط فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، وعليها بالتالي اظهار سياسة نظيفة رغم عدم اقتناع الكثيرين بقدرتها السياسية، لكنها تتمتع بدعم الحزب، انما اذا جرت انتخابات، فالفوز سيكون لغريمها الاساسي بنيامين نتنياهو.

في الجولات التي قامت بها على واشنطن وعدد من العواصم الاوروبية، تركت ليفني انطباعاً بأنها اذا ما اصبحت رئيسة للوزراء، فإنها تفضل التركيز على المسار الفلسطيني وليس على المسار السوري. لكن، اثر فوزها برئاسة الحزب تمسكت ليفني بخيار حل الدولتين، وكثرت التساؤلات عما تعني بذلك الحل، خصوصاً ان سري نسيبة رئيس جامعة القدس قال قبل اسابيع، ان ذلك الحل لم يعد قابلاً للتطبيق. من دون شك ان ما يصبو اليه نسيبة في طرحه، اي الدولة الواحدة، ترفضه اسرائيل.

قد لا تستمر مرحلة ليفني طويلاً، لكن، بمجيئها انقضت مرحلة سابقة، وبدأت مرحلة جديدة المفاهيم والطروحات. ومع اقتراب موسم الانتخابات الرئاسية الاميركية من حالة الى حالة، رحيل ادارة ومجيء ادارة جديدة، سيراوح كل شيء مكانه. ثم ان اسلوب سياسة «المكوك» الذي اعتمدته وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، تحت ادعاء انها تريد التوصل الى اتفاق بين الفلسطينيين واسرائيل قبل نهاية السنة، قد تفكك او تجمد لستة اشهر أخرى على الاقل. مع العلم ان رايس كانت تعرف ويعرف الجميع بأن ذلك الأمر لم يكن ممكناً.

منذ اربع سنوات واسرائيل تعرف ان حل الدولتين لم يعد قائماً، لذلك وبعد تشكيل الحكومة ستغرق ليفني في الشعارات ومحاولة تجنب المصاعب في حزبها. وقد بدأت مرحلة الهروب الى الامام، فيوم الأحد الماضي وفي مؤتمر وزارة الخارجية حول السياسة والاستراتيجية، قالت ليفني: «سنستمر في «الدعوة» الى مفاوضات مع الفلسطينيين، واسرائيل تتمنى التوصل الى سلام مع كل جيرانها (...) واثبتنا رغبتنا، ليس فقط في العملية الديبلوماسية بل بانسحابنا من غزة».

في غزة هناك «حماس»، وهي تضع ضغطاً على الضفة الغربية بأن محمود عباس لا يمثل الفلسطينيين، وليفني تقول: «ان هناك حدوداً لما ستقدمه لعباس».

ولأن ليفني لا تعرف كيف ستدير المسار الفلسطيني، ستجد نفسها مضطرة لقبول موفاز، الذي قال ان لديه آراءه المتعلقة بهذا المسار. حتى هو فإن اكثر ما يمكنه عمله هو التلاعب بالوقت، وكونه أكثر يمينية من ليفني فربما يشجع على استعمال المزيد من القوة العسكرية، وقد يضع استراتيجية مختلفة، لكن احداً لن يقدم لمحمود عباس اكثر مما عُرض عليه، خصوصاً ان اسرائيل لا تتعرض لأي ضغط دولي الآن، واذا كانت «الظروف» اوقفت جولات رايس المكوكية، فإن هذه «الظروف» ستزيد من جولات بلير المكوكية، انما كلها ستكون كمن يمضغ الهواء.

ان ما بقي للفلسطينيين في الضفة الغربية لبناء دولة، قليل جداً من الاراضي. «ابو مازن» يريد تفكيك المستوطنات في الضفة حيث الكثافة الفلسطينية، طالما ان الأمر معقد على الخط الاخضر، لكن حتى الآن لم يحصل على أي وعد بهذا الخصوص، ويستمر في تذكير اسرائيل بوعودها في كل المؤتمرات الدولية، وآخرها في انابوليس، بأنها ستفكك المستوطنات. ويستبعد مصدر فلسطيني بأن تكون هناك أي حكومة في اسرائيل قادرة على تفكيك المستوطنات: «لقد حاول اولمرت لكنه عجز».

هل من داع إذن لانتظار ما ستفعله ليفني، اذا كان الوضع على الارض يزداد تعقيدا؟

يقول احد المفاوضين الغربيين الذي تابع الوضع عن قرب: «ان الفلسطينيين اضاعوا الوقت ولم يحسبوا جيداً انه كلما مر الوقت، ضاعت اراض. وهم عندما شعروا باحتمال ان يتوصل اولمرت معهم الى نوع من الحل في الضفة الغربية، صاروا يركزون على القدس ولا يهتمون بمصير الأرض المباشرة».

ويضيف: «أن على الفلسطينيين ان يأخذوا كل ما يُعرض عليهم، ومن ثم يستمرون في المطالبة. ان ليفني وبصراحة، لا تستطيع ان تقدم لهم وعوداً حول القدس، لأنها تخاف من خسارة مستقبلها السياسي. هم عليهم ان يكونوا واقعيين ويأخذوا كل ما يُعرض عليهم. اصروا على اجزاء من القدس، اكثر مما اتفق عليها في السابق».

ويشير الى ما يرفض المفاوضون الفلسطينيون ملاحظته، وهو ان السور الذي تبنيه اسرائيل حول القدس بالذات، يجري بناؤه بسرعة والناس يرونه من منازلهم.

لكن، اسأل، هل ان السور سيكون الحدود الجديدة لإسرائيل؟

يقول المصدر الغربي: «في الواقع هذا ما سيحصل، ثم ان الفلسطينيين الذين يملكون هويات اسرائيلية يحاولون ان يكونوا داخل السور لجهة اسرائيل، حتى الذين يعيشون قرب الحرم الشريف، يريدون الانتقال الى اراضي تقع داخل السور رغم ارتفاع الأسعار». ويضيف «أن الفلسطينيين غير الحاملين لهويات اسرائيلية، صاروا يقترحون على السلطة ان تأخذ من الاراضي ما يمكنها الحصول عليه وتفاوض على البقية. لكن، اذا بقي موقف السلطة على ما هو عليه الآن، فلن يحصل اي تقدم وان استمرت اللقاءات الفلسطينية ـ الاسرائيلية لاحقاً».

واسأل: هل اذا وافق الفلسطينيون على ترك موضوع القدس لمرحلة لاحقة، سيستقلون على اراضي الضفة؟ يجيب محدثي: «ان الاسرائيليين عمليون، وهم لن يقتلوا انفسهم من اجل الضفة بل، اذا كان الفلسطينيون جادين، سيوافقون على اعادة الاراضي لهم». ويستطرد قائلاً: «ان القدس مسألة معقدة جداً، هي ليست مثل الضاحية في جنوب بيروت، والناس في مناطقها متداخلون منذ اربعين عاماً، ثم انها اصغر من بيروت». ويضيف: «على الفلسطينيين ان يعرفوا ان التفاهم حول القدس سيقع حتماً، ولو اجلوها الى نهاية المفاوضات، سيأتي الحل مع الضغوط الدولية والضمانات».وكما يقول، فإن القدس قضية كبرى: «حتى لو اتفقت اسرائيل مع محمود عباس حولها، فإن الكثير من ملوك ورؤساء العالم الاسلامي، سيسألون عن حجم عباس. ان الحرم الشريف قضية اسلامية. لقد فعلها مرة الرئيس المصري حسني مبارك مع ياسر عرفات، رفض ان يمثل الفلسطينيون كل المسلمين. ثم هناك الفاتيكان. ان الوقت لم يعد ملائماً فلسطينياً للمناورات السياسية، ان «حماس» في الانتظار مع العلم ان ليفني لن تتفاوض معها».

كل هذا لن يلغي ان ليفني ستركز اولاً على المسار الفلسطيني، بمعنى ان معادلة تنشيط المسارات ستتغير معها، ويتم تأجيل تحريك المسار السوري. ايهود باراك الذي يرغب في الاستمرار في وزارة الدفاع يريد ان يتسلم المسار السوري، على اساس انه هو الذي بدأه. ليفني تذكره بأنه لا يستطيع ان يدير الحكومة في وقت هي رئيسة الوزراء، ستسمح له بأن يكون في العملية انما ليس قائدها. وقد ابلغت باراك بأنها تنوي تعليق المسار السوري حتى مجيء الادارة الاميركية الجديدة، ولا يمكن التركيز على مسارين في وقت واحد، كما انها لم تكن متفقة مع اولمرت عندما احيا المسار السوري، واتهمته بأنه فعل ذلك من اجل بقائه، وليس كخيار سياسي ناجح، لا سيما انه سمح للنظام السوري باسترجاع بعض الشرعية الدولية، من دون ان يأخذ شيئاً في المقابل.

اما «حزب الله»، فهي تعتبر انه اقدم على الحرب عام 2006 من اجل ان يكون الأقوى في لبنان. تعرف ان «حزب الله» همه الاول لبنان، وقد نجح في اعادة تسليح نفسه، وفي اللحظة التي يرى فيها الحزب انه صار جاهزاً للسيطرة على كل لبنان، عندها سيقع حادث استفزازي مع اسرائيل.