فتاة دار الحماية في جدة

TT

أقدمت فتاة في دار الحماية بمدينة جدة على الانتحار مساء الخميس الماضي، بتناول جرعات زائدة من عدة أدوية، وقد تدخل الطب لإنقاذها من الموت عبر الإسعافات الأولية وغسيل المعدة، وترجع شقيقة الفتاة ـ بحسب ما نشرته صحيفة «المدينة» السعودية ـ أسباب الانتحار إلى الضغوط التي مارستها عليها مسؤولات دار الحماية، والتهديد بتسليمها وشقيقتها إلى أخيهما الأكبر، الذي كان سببا في لجوئهما إلى الدار!

ودور الحماية هي مؤسسات حديثة نشأت متزامنة مع تزايد حالات العنف الأسري، ولست على يقين بمدى الأجواء التربوية والنفسية التي تسودها.. فلو أن ما أدلت به شقيقة الفتاة من أن شقيقتها تعرضت للتهديد والضغوط من قبل مسؤولات الدار فذلك يعني ضرورة مراجعة الأساليب التي يتم بها التعامل داخل الدار، لأن مثل تلك المؤسسات تحتاج إلى منهجية متكاملة تتضمن أساليب الإرشاد والتوجيه، وبرامج الترفيه، وقواعد التعامل الداخلي، كما تحتاج إلى كوادر متخصصة في العلوم النفسية والاجتماعية والتربوية وغيرها لكي لا تتحول تلك الدور إلى بيئات يسودها التجهم والغلظة والقسوة، بحيث يصبح المستجير بها كالمستجير من الرمضاء بالنار.

ولست أدري ما الإجراءات التي اتبعتها الجهات المسؤولة في حق شقيق الفتاتين، الذي تسبب في دفعهما إلى التضحية بالحياة الأسرية والاجتماعية، واللجوء إلى دار الحماية بكل ما فيه من ضغوط وتهديدات.. هل يكفي أن ننشئ دور حماية لكف الأذى عن المتعرض له من دون أن نحاسب المتسبب في ذلك الشقاء، سواء كان أبا أو أخا أو قريبا؟!

ومما يجدر ذكره أن سبق لفتاة أخرى محاولة الانتحار في نفس الدار مطلع العام الحالي، وقد دارت الأسباب أيضا حول سوء معاملة إحدى الموظفات في الدار، وقد كتبت في حينها مقالا هنا بعنوان «فتاة دار الحماية» بتاريخ 7/1/2008 ناقشت عبره خطأ الدار في قبول الفتاة التي حاولت الانتحار لأنها تعاني ـ بحسب تشخيص طبي ـ من حالة ذهان، سبقه اكتئاب نفسي حاد مصاحب بهلوسات سمعية وبصرية، إذ أن مكان تلك الفتاة الطبيعي ليس دار الحماية، بل مستشفى الأمراض النفسية، لأن وجودها في الدار خطر عليها وعلى الأخريات، فحالة مثل تلك قد تتسبب في أذى نفسها ومن حولها، فهي لا تدرك نتائج أفعالها، وتساءلت في حينها عن كيفية فشل الدار التي تحمل عنوان «دار الحماية» في توفير أبسط قواعد الحماية لنزيلاتها، بتركهن يتقاسمن السكن مع مريضة نفسية في حالة مرضية حرجة!!

وباختصار: جميل أن تكون لدينا دور حماية، ولكن من الضروري أن ترتقي تلك الدور إلى مستوى أهدافها الاجتماعية، ومسؤولياتها التربوية، وهذا يتطلب الكثير من الكوادر المتخصصة التي لا أعتقد بتوفرها في تلك الدور، التي يعاني بعض ساكنيها من الضغوط والتهديدات.

[email protected]