عليكم بتأييده

TT

هذه الزاوية قسمان: السيئ، وهو قليل، وليس لي في نشره سوى أنه يبرر نشر القسم الثاني، الطيب والحسن. والأول رأي ابن خلدون في أصدقائنا وأحبائنا أهل السودان. وخلاصته أنهم غلاظ الطباع يحبون الرقص ويقومون إليه بمجرد أن يسمعوا إيقاعا موسيقيا فيهبون دفعة واحدة: مامبو.

وهذا الافتراء يرد عليه الجاحظ بلا هوادة في رسائله الشهيرة، وإحداها في فخر السودان على البيضان. ويعدد فيها بعض أهم الشخصيات: لقمان الحكيم وسعيد بن جبير، الصالح الذي قتله الحجاج، وبلال الحبشي والمقداد الصحابي الجليل أول من عدا به فرسه في الإسلام، ومكحول الفقيه، والحيقطان الشاعر المفاخر بقومه، وسنيح بن رباح، معاصر جرير وله شعر يعتز بالزنج، ويعدد الجاحظ أبناء السودانيين من العرب، مثل العباس بن مرداس وعنترة سيد الفرسان وشاعر بني عبس.

ويذكر الجاحظ أنهم ملكوا ذات يوم بلاد العرب وشاركوا في عزة العصرين الأموي والعباسي. ويقول «الناس مجمعون على أنه ليس في الأرض أمة السخاء فيها أعم وعليها من الزنج». ثم يقول وكأنه يفحم ابن خلدون «وهم أطبع الخلق على الرقص الموزون من غير تأديب ولا تعليم. وليس في الأرض أحسن حُلوقا منهم، وليس في الأرض أخف على اللسان من لغتهم، ولا في الأرض قوم أذرب ألسنة، وليس في الأرض أمة في شدة الأبدان وقوة الأسر أعم منها فيهما، وأن الرجل ليرفع الحجر الثقيل الذي تعجز عنه الجماعة من الأعراب وغيرهم، وهم شجعان أشداء الأبدان أسخياء، وهذه هي خصال الشرف. وهو مع حسن الخلق وقلة الأذى لا تراه أبداً إلا طيب النفس ضحوك السن حسن الظن وهذا هو الشرف».

ثم يقول بلسان السودانيين: «ونحن أهول في الصدور وأملأ للعيون... كما أن الليل أهول من النهار، ودهم الخيل أبهى وأقوى وكل حجر وكل جبل إذا كان أسود كان أشد صلابة، وليس من الثمر شيء أحلى حلاوة ولا أعم منفعة وليس في الأرض عود أحسن خشبا ولا أغلى ثمنا ولا أثقل وزناً من الأبنوس، والإنسان أحسن ما يكون في العين ما دام أسود الشعر وأكرم ما في الإنسان حدقتاه وهما سوداوان، وأكرم الكحل الاثمد وهو أسود». ويتدفق دفاع أبي بحر الذي كان بحرا من الثقافة، فيقول إن العرب ومنهم الفرزدق كانوا يفضلون زوجاتهم السودانيات، ويذكر أن إبراهيم الخليل تزوج امرأة منهم ولدت له إسماعيل عليهما السلام.