الغرباء الآخرون (1 ـ 3)

TT

تهيأت نفسياً أو احتشدت لكي أؤلف كتاباً كبيراً عن أحد المعاني الفلسفية والاجتماعية والنفسية. واخترت معنى عايشته طويلا. واخترت أقرب الشخصيات التاريخية إلى هذا المعنى الحزين..

أما المعنى فهو «اللامنتمي» وقد أسيء فهم هذا المعنى حتى أن بعض الكتاب يستخدمونه كنوع من الشتيمة أو الهروب من الواقع أو الالتزام المذهبي أو الحزبي. ولكن اللامنتمي هو الشخص الذي اختار بحريته أن يكون أكثر حرية. فهو يحب أن يكون من دون تصنيف فلسفي أو سياسي. إنه يفكر على هواه ويضع لنفسه القيود والقوالب. لكنه في كل الأحوال إيجابي. ولا يقف على الحياد بين المعاني أو النظريات. فله نظرية وله موقف. وأنا أجد لي مكاناً بين هؤلاء الأصدقاء أو الزملاء. لكل منا أسباب يراها وجيهة ومقنعة..

وكلمة اللامنتمي أو الغريب أو المغترب ابتدعها الأديب العراقي أنيس زكي حسن عندما ترجم كتاب «الغريب» أو اللامنتمي للأديب الإنجليزي كولن ويلسون. وهذا الكتاب من أمتع وأجمل ما كتب. وعلى الرغم من أنني كنت غارقاً في الفلسفة الوجودية.. ولكن هذا الكتاب وضع أصابعي كلها وفتح عيني على ما لم أكن أعرف من الشخصيات الأدبية والروائية واللوحات والمعزوفات الموسيقية.. كأنني كنت ضالا ووجدت مرشداً سياحياً فلسفياً.

وسافرت إلى العراق على أيام صدام وبحثت عن الأديب العراقي فلم أجده. فلعله انكفأ على نفسه واختار له ركناً وقرر ألا ينتمي وألا يكون له دور. فلم تكن له حياة أو لعله هاجر. وأرجو الله ألا يكون قد توفي في أحد السجون أو في الطريق إليه.

وإن كان لأحد فضل في تعميق المفهوم الوجودي الخاص والذي اهتديت إليه فهذا المجهول: أنيس زكي حسن!