اعتذار من هوميروس

TT

في الوقت الذي انتقل فيه عصر «الآلهة» من اليونان إلى روما، كان عددها قد أصبح ثلاثين ألفا. بحث الإنسان الأول عن حقائقه في الخيال والأسطورة. وتأمل في ضعفه فراح يبحث عن أبطال لا يقهرون. وعكست الآداب تطور حياتنا: من الملحمة إلى المتخيل المقبول إلى العصر الرومانسي، شعرا ونثرا ورسما إلى الواقعية وما بعدها. وأقصد بذلك، بيكاسو، الذي لم يكتف برسم الإنسان كما هو تماما، بل حاول أن يظهر تشوهه الداخلي. أو السوريالية، التي حاولت أن تعكس تشوشه الفكري والمشاعري.

قطع الإنسان رحلة طويلة في البحث عن نفسه، وفي النهاية وجد أن هذه النفس الصغيرة هي أوسع مساحة في الأرض. كتب الملحمة وأكثر من الأبطال، وفي النهاية اكتشف أن حياة البشر هي الملحمة الكبرى. هي الفقر وهي الغنى وهي الكوارث وهي الحروب وهي الزلازل وهي الفصول: تظن أنك جرم صغير/ وفيك انطوى العالم الأكبر.

كانت الرسوم في عصر النهضة مليئة بالهالات والغيوم والألوان الداكنة. ثم جاء الانطباعيون ولونوا الزهرة بألوانها وجعلوا الجبل صغيرا وجعلوا ساحة القرية هي الفناء الذي نعيش فيه وليس بحار المياه وجبال اليابسة. رويدا.. رويدا، عاد الإنسان إلى إطاره، إلى يومياته. ولم يعد يبني أهرامات ولا قلاعا بل بيوتا هي حصنه الأكبر. ولم يعد أبطاله ينتصرون في الحرب على الألمان بل على الذين يعقدون المصالحة بين فرنسا وألمانيا. وفي الحرب العالمية الثانية جاء الروس إلى ألمانيا لكي يغتصبوا كل امرأة. وعندما انهارت الشيوعية في الاتحاد السوفياتي كانت ألمانيا مصدر المساعدات المالية الأكبر.

ولا يعني الأميركيين كثيرا من هو «البطل» في العراق، حيث لا بطل في أي حال، لكن مثالهم الأعلى الآن رجلان: بيل غيتس ووليم بافيت، اللذان تبرعا لأعمال الخير بحوالي 70 مليار دولار.

صورة «البطل» اليوم هي صورة علماء الطب الذين يمنحون «نوبل» كل عام. صورة علماء الفيزياء الذين سهلوا علينا السفر من قارة إلى قارة وعبور المحيط في ثلاث ساعات بدلا من ثلاثة اشهر في «بحر الظلمات». صورة رجال المؤسسات الخيرية وعمال الصالحات ورسل المصالحات. وسوف يبقى عنترة بالتأكيد معلقة ذهبية جميلة، لكن لو قامت حرب داحس والغبراء لوجدنا رجل خير يدفع الفدية ويرد الشر.