نحن الذين لا ننتمي (3-3)

TT

وكان لابد أن أختار المفكر العربي الكبير أبو حيان التوحيدي (922-1023) ومعظم حياته مجهولة عند الناس والمؤرخين لولا مؤلفاته البديعة التي فيها سجع وإسراف في المحسنات البديعية ـ وهي موضة العصر الذي عاش فيه أبو حيان. وسمى التوحيدي لأن والده كان يبيع نوعاً من البلح اسمه التوحيد. ومن الغريب أن باعة البلح في مصر ينادون عليه: يا حياني يا بلح ولا يقولون يا توحيدي!

ومن المؤكد أن أبو حيان كان متفلسفاً وكان متمكناً من لغته ومتفقهاً في الدين ومتعمقاً في المذاهب والطرق الصوفية. وكان يرى أنه أحسن الناس.. وكان يحب أن يكون أقربهم إلى الوزير والأمير. ومثل هذه المعاني قد أغضبت كل العلماء الأقرب إلى الأمير والوزير وحاشيته من أصحاب الفكر والرأي. وكرهوه أيضاً وسدوا عليه أبواب الرزق وكل الطرق التي تقضي إلى الأمير. وحاول الأمير والوزير أن يجعلا أبو حيان قريباً.. ولم يسعده ذلك لأنه يحتاج إلى جهد بدني وفكري كبير لكي يكون الأقرب والأفضل.. ولم يستطع. وحتى عندما استطاع كره أن يكون قريباً بالإكراه.. ولكنه أبدع في مؤلفاته التي وصلت إلينا. ويقال انه كتب كثيراً وطويلاً وضاعت كتبه أو هو أضاعها وأحرقها. وكان يتمنى لو احرق كل الناس. فمن أجمل كتبه: «الإمتاع والمؤانسة» و«المقابسات»، و«الهوامل والشوامل»، و«الإشارات الإلهية».

وأظن أنني قرأت «الإمتاع والمؤانسة» عدة مرات.. وأمتعنى وأوجعني. فقد دفعه الفقر إلى التسول. وإلى أن يطلب للوزير أن يذله، يمسح به الأرض بشرط أن يعطيه قوت يومه.. لأنه لا يجده. ولن يجده! ولازلت أحلم وأتمنى أن أجلس لأكتب «نحن اللانتمي».