التدمير والقتل.. افتراضياً

TT

يبدو أن المجموعات المستثارة طائفياً ومذهبياً في بلادنا لا يقتصر نشاطها على تفجير المساجد والحسينيات أو إرسال انتحاريين أو التقاتل من منطلق العصبيات، إذ يبدو أن القتل المتبادل في العراق، والصدامات المتقطعة في لبنان والحذر المحفوف بكثير من الريبة في أكثر من بلد يعيش فيه سنة وشيعة أفعال لم تعد تكفي للتعبير عن المشاعر المحتدمة بفعل السياسة والتطرف.

فساحات المواجهة المعروفة لم تعد تتسع للتعبير عما يعتمل في صدور مجموعات واسعة في بلادنا. فالأسابيع الماضية شهدت معارك فعلية عبر شبكة الانترنت تصدرها مجموعة من المخترقين المعروفين بـ «الهاكرز» الذين يتمكنون من تدمير موقع الكتروني معين نظراً لمعرفتهم ولبراعتهم في هذه التقنيات وقدرتهم على النفاذ إلى أكثر الشبكات تطوراً ومناعة وتعطيلها عن العمل. هذه المعارك دارت رحاها بين مواقع سنية وأخرى شيعية تبادل فيها الطرفان عمليات التدمير والقتل الافتراضي عبر الهجوم على مواقع تعود إما لرجال دين أو لشخصيات سياسية أو لوسائل إعلام كما حدث عند تدمير موقع «العربية.نت».

رغم أن البعض لا يزال يعتبر مثل هذا النوع من الاختراقات عبر الشبكة الالكترونية أمراً غير حقيقي أو ربما ليس جدياً كفاية، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة.

إننا نعيش مرحلة تردٍّ غير مسبوق في النسيج المجتمعي والوطني حتى بات الضيق والبرم بالآخر أمراً غير محمول ولم تعد وسائل المجابهة التقليدية تتسع له.

ماذا تعني تلك المعارك المستعرة في أكثر من موقع الكتروني والتي تبث شعارات طائفية أو مذهبية؟

إن تدمير موقع انترنت أو اختراقه لحجبه هو فعل يوازي فعل القتل والإغلاق والحرق..

إنه فعل إلغاء للآخر.

في حياتنا قتل صحافيون، سجنوا وعذبوا وأبعدوا.. في منطقتنا، أقفلت وسائل إعلام، أو أحرقت أو تخضع للمراقبة. وبموازاة ذلك فإن التدمير الالكتروني هو انعكاس للشعور نفسه الداعي لإلغاء الآخر.

حتى التبريرات التي تستخدم في هذه المعارك الافتراضية هي نفسها. كل طرف يتهم الآخر بإثارة معارك طائفية ومذهبية ويحمله مسؤولية تدميره. إذاً الحل بحسبهم هو تصاعد معركة التدمير والإلغاء.

لا شك أن هناك حدّة في الآراء الايديولوجية والمذهبية. وكثير من الشيوخ والدعاة يصبون زيتاً على نار المشاعر المحتدمة.

أن تمتد معاركنا الحقيقية إلى الساحات الافتراضية هو إمعان في استبعاد الحياة المدنية التي تفترضها تقنية من نوع الانترنت.

ثم إن السهولة التي يتم بها تدمير موقع الكتروني من قبل «هاكرز» واحد تطرح مجدداً معادلة أخرى تتمثل بهشاشة الحداثة في مقابل قوتها. نعم الحداثة تنتصر اليوم ولكنها تحمل أيضاً بذور تدميرها. فالتطور الهائل في مجال التكنولوجيا نجم عن تطورات في مجالات انسانية وسياسية ليس أقلها إشاعة الحريات والديمقراطية وثقافة حقوق الانسان. لكن هذه التكنولوجيا الناجمة عن هذه التطورات بإمكانها أن تتحول إلى عدو لها وأن تشكل خطراً عليها, وأن تستعمل لتدمير قيمها ومعانيها. وهذه معضلة لم تجد الحداثة سبيلا لتفاديها بعد.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام