فقير وشعبي الزنوج

TT

اهتم العالم الأدبي واحتفى بشعر ليوبولد سنغور، رئيس السنغال ذات مرة، على أنه شاعر «الزنوجية». وشغل العالم بفرانز فانون، لأن اسمه ارتبط بالثورة الجزائرية. وأعطي الشاعر ايميه سيزير، المتوفى قبل عامين تقريبا، أهمية خاصة، باعتباره من طلائع الرموز الزنوجية الشعرية، وما زلت أعتقد أن الأكثر هياماً بأفريقيا والأكثر عشقاً والأعمق تعبيراً والأكثر شقاء مثلها، هو محمد الفيتوري. لقد رأى محمد الفيتوري عذاب أفريقيا في عذابه، وفقر أفريقيا في فقره، وشفتي أفريقيا العريضتين في شفتيه، وباسمهما معا، هو وأفريقيا، أو أفريقيا وهو، كتب أحزن وأعمق وأشجن الغناء الأسود:

فقير، فوجه كأني به

دخان تكثف ثم التحم

وعينان فيه كأرجوحتين

مثقلتين بريح الألم

وأنف تحدر ثم ارتمى

فبان كمقبرة لم تنم

ومن تحته شفة ضخمة

بدائية قلما تبتسم

وقامته لصقت بالتراب

وإن هزأت روحه بالقمم

لكنني عرفت الفيتوري باسماً أبداً. ربما ليس ابتسامة الفرح، لكن ابتسامة الدعة والمحبة. وعرفته عاشقاً، لا ترده شفة ضخمة ولا قامة كالتي يصفها. وقد أنكر الفيتوري كل جذوره إلا جذره الأفريقي، إلا تلك الزنوجية التي أعلاها قبل سنغور وأكثر بلاغة وشعراً منه. وعن أصوله يقول الفيتوري (معجم البابطين)، إن جده زنجي من أعالي بحر الغزال، ووالده سوداني ينتمي إلى ولي ليبي صالح، وأمه مصرية تنتمي إلى قبيلة سعودية استقرت في الصعيد. وأما هو فقد ولد في الإسكندرية، عام 1936 على ما يقول.

لكن الفيتوري لا يقر إلا ببلد واحد:

.. وبلادي أرض أفريقيا البعيدة

هذه الأرض التي أحملها ملء دمائي

كتب الفيتوري شعرا كثيرا، وحبا كثيرا، وغزلا كثيرا، وكان له حب حقيقي واحد، وحب أول واحد، وأطلال واحدة، وبرقة ثمهد واحدة. هو شاعر أفريقية، لا سواها، ولا سواه.