السفير الكويتي في العراق

TT

تسليم أوراق اعتماد السفير الكويتي ـ الفريق المتقاعد علي المؤمن ـ الأسبوع الماضي ببغداد، حدث يستوجب التوقف عنده في تطورات المشهد العراقي ـ بل ومشهد المنطقة عموما.

السفير الكويتي عاد إلى بغداد بعد سبعة عشر عاما من القطيعة الكويتية ـ العراقية على الصعد الرسمية كلها بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 واحتلالها لأشهر سبعة.

بداية، يشير المتابعون لمشهد العلاقة بين البلدين أن اختيار الفريق علي المؤمن تحديدا اختيار موفق، فعلى الرغم من أن الرجل ذو خلفية عسكرية وكان رئيسا لأركان الجيش الكويتي، إلا أن هدوءه ونبرة صوته توحيان لمن لا يعرفه بأنه عاش الدبلوماسية من أقسى ساحاتها برودة وحتى أسخنها حرارة. فالرجل عايش العلاقة في أحلك أيامها سوادا في حرب تحرير بلاده، وعايشها في أقسى ايامها غموضا ـ كمنسق للمساعدات الإنسانية الكويتية للعراق بعد سقوط نظام صدام، وها هو يخوض غمار مهمة دبلوماسية ليست بالسهلة لمن لم تمر علاقة بلاده بمنعطفات دموية مثلما بلد السفير المؤمن، فما بالك بمهمة الرجل كسفير للكويت في بغداد هذه الأيام؟

ولعل أسباب وتوقيت عودة السفير الكويتي لبغداد، رافقها تساؤلات المراقبين، وتكهنات المقامرين، وتخرصات الحالمين، وعنطزات المفلسين.

فمن مراقب «دبلوماسي» يقول بأن هذا هو الشيء الطبيعي لعلاقات «أخوية بين بلدين شقيقين يربطهما ما يربطهما... إلخ الاسطوانة»، إلى آخر يطرح تساؤلات تبحث عن التنظير ليوحي بأن وراء هذه الخطوة ما وراءها.

فريق من المقامرين يرون بأن في عودة العلاقات مقامرة غير محسوبة العواقب، فبغداد لا تزال تئن تحت وطأة التفجيرات الدامية اليومية، والظروف الأمنية الخطيرة التي كانت عاملا من عوامل عديدة وراء إحجام الكويت عن إرسال سفيرها لا تزال قائمة وخطرة. وحذر بعض المعترضين الكويتيين من عودة السفير الكويتي خوفا على حياته.

التساؤلات التي رافقت عودة السفير في الكويت انصبت حول الظروف والعقبات الفنية والسياسية التي كانت تعترض تطبيع العلاقات في كافة المجالات، والحق بأن جرح الغزو العراقي للكويت ما زال غائرا في النفوس، وعلى الأرجح أن تبقى آثاره أطول مما يتمنى الحالمون. صحيح بأن أهل السياسة في الكويت ومتخذي القرار يلعبون سياسة براجماتية تنظر إلى المصلحة الوطنية قبل كل شيء، ولكن الديمقراطية الكويتية تجعل الباب مفتوحا للتساؤلات والنقد ـ غير البناء أحيانا ـ بل وحتى المزايدات في مسألة عودة العلاقات بين البلدين من عدمه.

تثبيت العلامات الحدودية التي اقرت بين البلدين في ضوء قرار ترسيم الحدود رقم 833 الصادر من مجلس الأمن عام 1995، قضية طال أمدها، وبعض الكويتيين يرون بأنها «مسمار جحا» للعودة إلى المربع الأول بالعلاقات متى ما قويت «شوكة العراق» والعودة إلى الأطماع التوسعية الصدامية الغابرة. لكن الجانب العراقي يؤكد مرة تلو الأخرى أن هذه مسألة انتهت بلا رجعة، وأن سبب «التلكوء» هو سوء الحالة العراقية عموما وضعف الدولة المركزية بالعراق.

لا شك بأن من الملفات التي سيواجهها السفير الكويتي الجديد هو ملف تعويضات الغزو العراقي للكويت وملف الديون التي سبقت الغزو. والأولى تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن بالأمم المتحدة، بينما الثانية بحاجة إلى قانون من مجلس الأمة الكويتي. العراقيون يدركون ذلك، ولكن بقايا الماضي ستلقي بظلالها على قرار النواب الكويتيين بمجلس الأمة.

تقديم أوراق السفير الكويتي ببغداد يأتي في وقت أعلن فيه عن الترتيب لزيارة رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح التي لم يعلن عن موعدها بعد. ولئن رافق حدث السفير تكهنات وتساؤلات، فمن المحتمل أن يصاحب زيارة رئيس الوزراء عواصف وزوابع.