مر على الحياة كنسمة رقيقة ومضى!

TT

في مقهى على ضفاف النيل بالقاهرة التقيت به صدفة بعد سنوات من الانقطاع، ومسحة حزن دفين كست وجه، وهو الذي عهدته باسما مرحا مشرق الثغر على الدوام.. يومها تحدث كثيرا عن الظروف التي رافقت مسيرته الفنية، وحالات الإحجام والإقدام التي تنتابه بين التوقف والاستمرار، وكان السؤال الذي يزيد من تردده في العودة إلى الساحة الفنية: هل ذاكرة المتلقي لم تزل تحتفظ ـ حتى وقت لقائه ـ بفنان اسمه محمد السراج؟!.. وتباعدت بيننا الخطى بعد ذلك من جديد، حتى فاجأني قبل أيام خبر رحيله في العيد، بعد معاناة طويلة مع المرض، ليشعل موته في داخلي صورته صغيرا يحتضن عوده، وصوته يتعالى ببراءة الأطفال مغنيا: «ولعوني الحبايب.. ولعوني».

في العيد رحل في صمت الفنان السعودي محمد السراج، ولم يتنبه لرحيله الكثير من الصحف التي باعد بينها وبينه غيابه الطويل عن ساحة الفن، وهو الذي كان مؤهلا أن يكون أحد أقطاب الأغنية السعودية، لولا أن رافقت مسيرته الفنية بعض الحظوظ العواثر التي أدت إلى اختفائه.. فمحمد السراج يعتبر من أهم الأصوات الغنائية التي ظهرت على الساحة الفنية السعودية في عقد السبعينات، ومن أرقها عذوبة وأكثرها ملامسة للنفس.. وقد بدأ السراج حياته الفنية مبكرا، حتى أنني لأذكر أنه جمعتني به الكثير من الجلسات الفنية، وهو لم يزل على مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة أو ربما قبلها بصحبة أخيه الموسيقي الصديق نجيب السراج، وكان الجميع يتوقع له مكانا بارزا ضمن كوكبة المقدمة أمثال: طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر، لكن ظهوره المبكر ربما أسهم في عدم التخطيط الجيد لمسيرته الفنية، إضافة إلى مزاجية الفنان في شخصيته، التي كانت تحكم الكثير من حالات حضوره وغيابه..

على بعض مواقع الإنترنت استمعت بعد موته لمجموعة أناشيد قام بأدائها قبل الرحيل، وجاء صوته خلالها عذبا، صافيا، مؤثرا كما عهدته قبل أكثر من ثلاثين عاما، وكانت بعض تلك الأناشيد تدور حول القدس وبغداد، وتوحي بالتحولات التي عاشها قبل رحيله.. رحمك الله يا محمد السراج لقد مررت على هذه الحياة كنسمة رقيقة، ثم مضيت.