البحث عن الضياع

TT

لعل ناهدة نكد، كبيرة المراسلين في القناة الفرنسية الأولى، هي أيضا كبيرة المراسلين السياسيين في قنوات فرنسا. بعكس كريستيان امانبور في السي. إن. إن، تنقل أكثر الأخبار صخبا واضطرابا بأكثر اللهجات هدوءا. وكما يتمتع المراسلون المرئيون بقدر كبير من الموضوعية، تتميز ناهدة نكد بأكبر قدر من المهنية الشفافة، خصوصا عندما تغطي أخبار لبنان وحروبه وعنفه المتأهب على الدوام.

تنتمي ناهدة في لبنان إلى عائلة درزية ذات انتماءات سياسية معروفة. وتبدو على التلفزيون الفرنسي عندما تغطي نزاعات بيروت، وكأنها قادمة من مدينة ليل. أو بوردو. وفي كتابها الصادر حديثا بالفرنسية «بحثا عن لبنان الضائع» ترسم صورة الإنسان اللبناني الخائف والمشتت والمشرد والذي لا يعرف متى يحدث الانفجار المقبل.

لا جديد في كتاب ناهدة نكد سوى السرد والأسلوب وحكاياتها الشخصية مع الشغف بلبنان والخوف منه والخوف عليه. فعندما بكى طفلها وهي تقبله قبل المغادرة إلى بيروت، بكت هي أيضا، ليس فقط لفراقه بل «لأنني أخشى أن يصبح دون أم». فهي أيضا ابنة تلك الأحياء المختلطة بالطوائف والمشارب التي أفاقت فجأة لتجد أن الحي الذي هي فيه أصبح لفئة واحدة. الباقون يهجرون أو يقتلون. حدث ذلك في سائر المناطق والأحياء.

لكن اللبناني الذي يستسهل الهجرة لا يقف شيء أمام عودته. بعد 37 عاما في الخارج عاد نعيم نكد إلى أرضه يبحث عن أصدقائه وسنديانة القرية وجريدة الصباح. كان ذلك قبيل صيف 2006. وبعد قليل سيهاجر نعيم وزوجته من جديد على باخرة اللاجئين الفرنسية. وقد وجد مكانا عليها بوساطة من ابنته الفرنسية، أما هو وزوجته فيحملان الجنسية الإيطالية.

كان ذلك من أيام كان نعيم مديرا لمكتب طيران الشرق الأوسط في روما. ولم تكن في أوروبا صحف عربية آنذاك. وكان مكتب طيران الشرق الأوسط في مدن العالم يقوم بدور القنصلية الإضافية. وكان نعيم نكد سيد الخدمات. اليوم أذهب إليه لأرسل عن طريقه رسالتي إلى «النهار» وفي الغد أعود إليه لأحصل على نسخة من «النهار» كي أقرأ رسالتي. تلك أيام كانت الصحافة العربية تهتم حتى بالانتخابات البلدية، لأنها تدل على الاتجاهات السياسية العامة.

وكانت روما ساحة الصراع الأخير بين الفاشية المتهاوية و«الاوروكوميونيسم». وكانت مدينة «الدرج الإسباني». وكانت مدينة صوفيا لورين. ورفيقاتها.