من صاحب الخطة الصحية؟

TT

لا يعد الشهر السابق للانتخابات الرئاسية وقتا ملائما لمناظرة منطقية عاقلة حول السياسة المعقدة. وإليكم الأمر على أية حال. فبصورة عامة، تعتبر خطة الرعاية الصحية لباراك أوباما أفضل بكثير من تلك الخاصة بجون ماكين. فالخطة الخاصة بأوباما ـ والتي تتطلب أن يوفر صاحب العمل تأمينا أو دفعه نقدا، وتقديم الدعم والإعانة الحكومية لمن لا يستطيعون تحمل تغطية التأمين الصحي بأنفسهم ـ تقدم وفرة من الخيارات الشرائية وستعمل على تغطية الكثير من الأفراد وستساعد هؤلاء الذين يقضون أوقاتا عسيرة للحصول على التأمين. ومع ذلك، فإن خطة ماكين ليست بتلك الفظاظة التي صورها أوباما. فبصورة عملية، سيتم اعتبارها على أنها نوع من التحسن إزاء القانون الحالي، حيث ستجعل نظام التأمين الصحي الذي يميل حاليا إلى جانب الأغنياء، أكثر تقدما بصورة كبيرة.

فالمفهوم الرئيسي الخاص بخطة ماكين هو القضاء على التمييز الضريبي الحالي بالنسبة لصاحب العمل الذي يكفل الرعاية الصحية. وبموجب النظام الحالي، لا يدفع الموظفون ضريبة على قيمة التأمين الصحي الذي يتلقونه من أصحاب العمل، هذا بالرغم من أن أغلب الأفراد الذين يتحملون أعباء التأمين الصحي من تلقاء أنفسهم لا يحصلون على هذا التخفيض ويضطرون إلى شراء التأمين بالأموال المتبقية بعد دفع الضرائب. إن الترتيب المستخدم حاليا ما هو إلا ترتيب يعوزه التفكير السليم وهو ناجم عن سياسة مراقبة الأجور خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما تنافست الشركات على جذب العمالة النادرة عبر عرض التأمين الصحي. وكانت النتيجة عبارة عن إعانة ضريبية ظلت تزداد إلى 200 مليار دولار في كل عام. ولا يمكن لأحد صمم نظاما صحيا غير مؤهل بهذه الطريقة أن يجعل الأمور أفضل حالا بتلك الطريقة. فربط التأمين الصحي بالتوظيف يقدم القليل من الفائدة في عالم ينتقل فيه العاملون من عالم إلى آخر. وسيؤدي استثناء قيمة التأمين من الدخل الخاضع للضريبة إلى الاستهلاك المفرط للرعاية الصحية، مما سيعمل على زيادة الأسعار. كما أن هذا النظام يعمل على تفضيل الموظفين الأفضل حالا، والذين ـ نظرا إلى أنهم يدفعون معدلات هامشية أعلى ـ يحصلون على منفعة أكبر نتيجة لعدم تحصيل ضرائب منهم على التأمين الصحي. إن إزالة هذا العيب ـ إذا ما تم القيام به على نحو سليم، ولنضع خطا كبيرا تحت كلمة إذا ـ ستمكّن الأميركيين من الحصول على التأمين، كما سيخفض النفقات، وسيقلل استنزاف نفقات الرعاية الصحية من الموازنة الفيدرالية. ألا تصدقوني؟ فلتقرأوا إذا لجاسون فورمان ـ كبير مستشاري أوباما الاقتصاديين ـ والذي كتب في أبريل (نيسان): «إن الطريقة الواعدة للمضي قدما في الاتجاهات الثلاثة كلها ـ التغطية، والتكلفة، والوضع المالي على المدى البعيد ـ هي استبدال استثناء صاحب العمل من الائتمان الضريبي».

وقبل بضع سنوات، حاول الرئيس بوش التعامل مع هذا الخطأ اللا منطقي، حيث اقترح أن يوفر صاحب العمل تأمينا صحيا خاضعا للضريبة على الدخل بينما يتم منح جميع دافعي الضرائب خصوما جديدة كبيرة لتغطية التكلفة. وفي هذه الأيام، أثنى الاقتصاديون الديمقراطيون البارزون ـ ومنهم فورمان ـ على هذا المقترح إلا أنهم انتقدوا تفاصيله.

وقد أشاروا إلى أنه بدلا من عمليات الخصم ـ والتي تعتبر ذات قيمة أكبر لمن يخضعون لشرائح ضريبية أعلى ـ فإنه يتعين على الرئيس استبدال الائتمان الضريبي، الذي يعتبر ذا منفعة متساوية لكل دافعي الضرائب. كما أوضحوا أنه لا يتعين أن يكون هناك ائتمان ضريبي فقط، بل يجب أن يكون قابلا للاسترداد، كما يجب أن يحصل هؤلاء الذين لا يستطيعون كسب بما يكفي للخضوع إلى ضريبة الدخل، على أموال من الحكومة لشراء التأمين.

إذا ما الذي خطط له ماكين؟ لقد كان مجرد ائتمان قابل للاسترداد بقيمة 2500 دولار للفرد، و5000 دولار للأسرة. وتحاول حملة أوباما إفزاع الناخبين بجعلهم يعتقدون أن خطته تعتبر رديئة، منوهين إلى أن متوسط سياسة الأسرة تكلف حوالي 12000 دولار. وهذا حقيقي، ولكنك إذا ما حصلت على تأمين صحي من صاحب العمل الخاص بك بقيمة 12000 دولار، وهو المبلغ الذي يعتبر ضمن الشريحة الضريبية البالغة 25%، فإنك ستكون مدينا بـ3000 دولار أخرى. وسيدعك الائتمان تحصل على خصم قدره 5000 دولار من إجمالي الفاتورة الضريبية. وسينتهي بك الحال إلى عدم الاستفادة ـ ما لم يكن تأمينك شديد السخاء، وفي تلك الحالة فإنه سيعمل على تقديم تكاليف الرعاية الصحية لكل فرد.

ومن المؤكد أن هناك الكثير من الأخطاء والعيوب أيضا في خطة ماكين الصحية، حيث أن الموظفين الشباب الأصحاء سيكون لديهم حافز للتخلي عن التغطية الخاصة بصاحب العمل وشراء تأمين خاص رخيص من جانبهم، مما سيجعل التكاليف الصحية الخاصة بالشركات متروكة لكبار السن، والعاملين المعتلين صحيا. وفي النهاية، فقد يؤدي الأمر بالكثير من أصحاب العمل ـ خاصة الصغار منهم ـ إلى التوقف عن توفير التأمين الصحي. وفي السوق المفتوحة، سيترك ماكين شركات التأمين حرة في انتقاء المسجلين الأصحاء لديها فقط. وفي مواجهة هذه المشكلات، لن تقدم خطة ماكين الصحية أي شيء من الممكن أن يكفي لمساعدة هؤلاء ممن لا يستطيعون الوفاء بالأقساط التأمينية. وفضلا عن هذا، فإنه نظرا إلى أن الائتمان الضريبي يتم إدراجه فقط للتضخم بصورة إجمالية وليس للزيادة السريعة في نفقات الرعاية الصحية، فإن قيمته ستتآكل بصورة كبيرة بمرور الوقت. وفي العالم المثالي، فإن المرشحين الانتخابيين يمكنهما أن يخوضا نقاشات منطقية بشأن مزايا طرقهما وخططهما. وبهذه الطريقة، سيقلان من تبادل الاتهامات الكبرى حول الزيادات الضريبية والرعاية الصحية التي تديرها الحكومة.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»

محمد الجبالي